وفي رواية : قال ابن عباس لمعاوية : في بيتي نزل القرآن. لكنّه أرسل إلى كعب وسأله ، فقال : كعب : سل أهل العربيّة فإنّهم أعلم بها. ثمّ فسّرها بماء وطين.
قال أبو حاضر : لو أنّي عندكما أيّدتك بكلام وتزداد به بصيرة في «حمئة»! قال ابن عباس : وما هو؟ قال : فيما نأثر قول الشاعر ـ وهو تبّع اليماني ـ فيما ذكر به ذا القرنين في كلفه بالعلم واتباعه إيّاه :
قد كان ذو القرنين عمرو مسلما |
|
ملكا تدين له الملوك وتحشد |
فأتى المشارق والمغارب يبتغي |
|
أسباب ملك من حكيم مرشد |
فرأى مغيب الشمس عند مغابها |
|
في عين ذي خلب وثأط حرمد |
فقال له ابن عباس : ما الخلب؟ قال : الطين ، بلسانهم (أي الحمير). قال : فما الثأط؟ قال : الحمأة (الوحل وهو الطين الرقيق الأسود). قال : فما الحرمد؟ قال : الأسود. (١) فدعا ابن عباس غلاما أن يأتي بالدواة ، فقال له : اكتب ما يقوله الرجل. (٢)
قال الدكتور خضر : والبحث العلمي الجغرافي تتبّع نشأة المدن القديمة على خليج إزمير ، مثل «أفسوس» و «ملطية» فوجد أنّ هذه الحمأة السوداء التي كانت تعكر خليج إزمير حين نظر كورش إلى الشمس وهي تغرب في هذا الخليج ، هي الرواسب التي سدّت جانبا كبيرا من هذا الخليج ، وبعد أن كانت «أفسوس» و «ملاطيّة» ـ وكانتا ميناءين في الزمن القديم ـ صارتا تقعان اليوم على بعد بضعة كيلومترات من البحر.
كما أنّ ميناء «إزمير» نفسه لم ينج من الامتلاء وبرواسب الطين التي كان يجلبها نهر «غديس» إلى الشمال منه بقليل. وأخيرا اضطرّت الحكومة التركيّة إلى تحويل مياه
__________________
(١) الحرمد أو الحرمد : المتغيّر اللّون والرائحة. يضرب إلى السواد الفاحم.
(٢) راجع : تفسير عبد الرزاق ، ج ٢ ، ص ٣٤٤ ـ ٣٤٥ ، رقم ١٧١٢ و ١٧١٣ ؛ وتفسير ابن أبي حاتم ، ج ٧ ، ص ٢٣٨٣ ، رقم ١٢٩٤٧ ـ ١٢٩٤٨ ؛ والدرّ المنثور ، ج ٥ ، ص ٤٥١ ؛ وتفسير القرطبي ، ج ١١ ، ص ٤٩.