لا يراها إلّا تائه. (١)
ولعلّ في هذا الوصف اختلاطا للحقيقة بالخيال ، وأنّ المماليك شاهدوا أطلال بطرا ـ كما احتمله زيدان ـ ووجدوا الدنانير ، إمّا من ضرب اليهود أو النبطيين ، وقد زار المدينة غير واحد من المستشرقين في القرن الماضي (١٩) وقرءوا ما عليها من نقوش نبطيّة. (٢)
من هم أصحاب الكهف؟
قد ذكر المؤرّخون والمفسّرون عن أهل الكهف شيئا كثيرا ، أورده الطبري في التاريخ وفي تفسيره ، ويتّفق أكثر الروايات على القول بأنّ عددا من الفتية نبذوا عبادة الأوثان واعتنقوا التوحيد في مدينة «أبسس» (٣) ثمّ فرّوا من تلك المدينة وأووا إلى كهف وكان معهم كلب عجزوا عن إبعاده ، وناموا في هذا الكهف. ثمّ جاء الملك الوثني داقيوس (ويسمّى أيضا داقينوس وداقيانوس) ومعه أتباعه للقبض عليهم ، ولكن لم يستطع أيّ واحد منهم دخول الكهف ، فبنوا عليهم باب الكهف ليموت الفتية جوعا وعطشا ، ونسي الناس أمرهم بعد ذلك.
وفي يوم من الأيّام بعث أحد الرعاة برجاله وأمرهم بفتح فم الغار ليتّخذه حظيرة لغنمه ، ولمّا دخلوا لم يروا أوّل الأمر الفتية الذين بعثهم الله في الأجل الذي ضربه ليقظتهم. وعند ما استيقظوا كانوا لا يزالون يملؤهم الفزع والرعب من الخطر الذي نجوا منه ، فعمدوا إلى الحيطة وبعثوا بأحدهم إلى المدينة ليشتري لهم طعاما. ولم يعرف بائع الطعام النقود التي دفعها إليه الفتى ، فساقه إلى الملك وهناك تبيّن كلّ شيء : فقد نام الفتية ثلاثمائة سنة وتسعا ، وكانت الوثنيّة قد انقرضت خلال هذه المدة وحلّ محلّها التوحيد ، وفرح الملك بأصحاب الكهف فرحا عظيما ، لأنّ بعثهم أيّد عقيدة دينية كان البعض يشكّ في صحّتها ، وهي أنّ الناس يبعثون كما هم بالجسد والروح معا.
__________________
(١) الخطط المقريزيّة ، ج ١ ، ص ٣٧٦.
(٢) العرب قبل الإسلام ، ص ٨٥.
(٣) بلدة رومانيّة من ثغور طرسوس بين حلب وأنطاكية.