ولم يكد الفتى يعود إلى الكهف ثانية حتى ضرب الله على آذانهم مرّة اخرى. فجاء الناس وشيّدوا هناك ـ على المغارة ـ مسجدا ، تبرّكا بهم.
* * *
وهنا عدة أسئلة اخرى :
ما هي تلك المدينة التي هرب منها الفتية ولجئوا إلى الكهف؟
يقول ابن عاشور : والذي ذكره الأكثر أنّ في بلد يقال له : «أبسس» ـ بفتح الهمزة وسكون الباء وضمّ السين ، بعدها سين اخرى ـ وكان بلدا من ثغور طرسوس (١) بين حلب وبلاد إرمينيّة وأنطاكيّة.
قال : وليست هي «أفسس» بالفاء ، المعروفة في بلاد اليونان بشهرة هيكل المشتري فيها ، فإنّها من بلاد اليونان ، وقد اشتبه ذلك على بعض المؤرّخين والمفسّرين ، وهي قريبة من «مرعش» (٢) من بلاد إرمينيّة. (٣)
وأبسس هذه هي مدينة «عربسوس» (٤) القديمة في «كبادوشيا» ، وكانت تسمّى أيضا «أبسس». وتسمّى اليوم «برپوز». (٥)
فهل كانت مدينة «أبسس» هذه هي المسرح الذي وقعت فيه تلك الحوادث بما فيها من غرائب؟
أمّا «ده غوى» فيؤيّد هذا الرأي معتمدا على براهين استمدّها من النصوص. وفي الحقّ إنّ بعض الرحّالة قالوا : إنّهم رأوا في مدينة «أبسس» هذه كهفا كان به جثث ثلاثة عشر رجلا قد يبست. (٦)
قال ياقوت : أبسس ، اسم لمدينة خراب قرب «أبلستين» من نواحي الروم. يقال :
__________________
(١) مدينة في جنوبي تركيا الآسيويّة (قيليقيا). وفيها ولد بولس وفتحها المأمون سنة ٧٨٨ م وفيها دفن.
(٢) مدينة في جنوب تركيا على حدود سوريّة.
(٣) تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور ، ج ١٥ ، ص ٢١.
(٤) عربسوس : بلد من نواحي الثغور قرب المصيصة (مدينة على شاطئ نهر جيحان قرب طرسوس ـ تركيا).
(٥) دائرة المعارف الإسلاميّة المترجمة ، ج ٢ ، ص ٢٤٢.
(٦) ليس في ذلك دليل ، لأنّ العثور على جثث متيبّسة في الكهوف ، كان أمرا شائعا ذلك العهد. ووجد من ذلك الكثير وليس هذا وحده.