مشهودة للعرب المعاصر لنزول القرآن في رحلاتهم إلى الشام صباحا ومساء (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ). (١) يرون ديارهم التي عفت وأضحت خرابا يبابا! ألا فليعتبروا ويحذروا أن يصيبهم مثل ما أصابهم ، إن تمادوا في الغيّ والضلال البعيد!
أصحاب الكهف والرقيم!
قصّة أصحاب الكهف ، تعرض نموذجا للإيمان في النفوس المؤمنة. كيف تطمئنّ به ، وتؤثره على زينة الأرض ومتاعها ، وتلجأ به إلى الكهف حين يعزّ عليها أن تعيش به مع الناس. وكيف يرعى الله هذه النفوس المؤمنة ، ويقيها الفتنة ، ويشملها بالرحمة.
وفي القصّة روايات شتّى وأقاويل كثيرة. فقد وردت في بعض الكتب القديمة وفي الأساطير بصور شتّى. ولكن يجب الوقوف فيها عند حدّ ما جاء في القرآن ، فهو المصدر الوحيد المستيقن. ولتطرح سائر الروايات والأساطير التي اندسّت في التفاسير بلا سند. وبخاصّة أنّ القرآن الكريم قد نهى عن استفتاء أحد فيهم ، وعن المراء والجدل رجما بالغيب (فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً). (٢)
والكهف : المغارة الواسعة. والرقيم ، قيل : إنّه معرّب «أركه ekrA» اليونانيّة أحد أسماء مدينة «بطرا» (٣) هي قصبة الأنباط. كانت مدينة صخريّة قائمة في مستو من الأرض ، تحيط بها الصخور كالسور المنيع ، وهي واقعة في «وادي موسى» عند ملتقى طرق القوافل بين «تدمر» و «غزّة». وقد عمرت في إبّان دولة الأنباط وكثرت فيها الأبنية ، فلمّا ذهبت الدولة تخرّب معظمها ، وبقي منها إلى الآن أطلال لا تفنيها الأيّام ولا يؤثّر فيها الإقليم. منها «خزنة فرعون» وهي بناء شامخ منقور في صخر ورديّ اللّون ، على وجهته نقوش وكتابات بالقلم النبطي ، وبجانبها مسرح منقور في الصخر أيضا ، ويستطرق من هناك إلى
__________________
(١) الصافات ٣٧ : ١٣٧ ـ ١٣٨.
(٢) الكهف ١٨ : ٢٢.
(٣) يقول عنها العرب : البتراء ، مدينة أثريّة في الأردن ، هي سلع القديمة أو الصخرة. أهمّ آثارها قصر فرعون والبوّابة الأثريّة والمسرح الكبير وقبور بيترا وهيجرا.