التراث الشعبي الرائج ، أفهل لا يمكن صدق مصداقيّتها وأنّها أحداث تاريخيّة كانت قد قبعت في زوايا الجهل التاريخي ، وقد كشف القرآن عن وجهها ، حتّى ولو كانت غريبة ـ نسبيّا ـ في شكلها وهندامها؟! ولنذكرها بتباع :
حديث ابني آدم!
أمّا حديث ابني آدم إذ قرّبا قربانا فتقبّل من أحدهما ولم يتقبّل من الآخر ... فكان ذلك سبب قتل قابيل لهابيل ... واحتار فيم يفعل بجثّة أخيه. حتّى هداه الغراب ليواريه في التراب ... (١)
فهذا حديث وصفه الله بأنّه نبأ حقّ : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ ...)! فمن الجرأة على الله وعلى كتابه المجيد أن يوصف بأنّه من الأساطير الشائعة في عقائد العديد من الشعوب القديمة والبدائيّة. (٢)
نعم هذا الحادث في شكله هذا الترتيب ، من عمل الفنّ التصويري في القرآن. فهناك في بدء الخليقة وقع تشاحن بين بني آدم وهم في بداية مرحلة الحياة الاجتماعية ، والتي أساسها التعاون والتكافل في الحياة ، دون التباغض والتباعد ، لو لا أن تتداركهم الهداية الربّانيّة الأمر الذي نبّه الله آدم وزوجته عليه حينما أخرجهما من الجنّة ليعيشا وذرّيّتهما على وجه الأرض. (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً. فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ). (٣)
قال سيد قطب : هذه القصّة تقدّم نموذجا لطبيعة الشرّ والعدوان ، ونموذجا كذلك من الطيبة والوداعة ، وتقفهما وجها لوجه ، كلّ منهما يتصرّف وفق طبيعته ...
واتل عليهم نبأ هذين النموذجين من نماذج البشريّة ، اتله عليهم بالحقّ ، فهو حقّ وصدق في روايته ، وهو ينبئ عن حقّ في الفطرة البشريّة ، وهو يحمل الحقّ في ضرورة
__________________
(١) المائدة ٥ : ٢٧ ـ ٣١.
(٢) الفن القصصي في القرآن ، ص ٤١٤.
(٣) بقرة ٢ : ٣٨.