ملحوظة
هنا ملاحظة
خطيرة يجدر التنبّه لها ، هي أنّ أصحاب هذا الفكر الحديث ـ حسب مصطلحهم ـ إنّما
حسبوا حسابهم حفاظا على كرامة القرآن وأنّه في آفاق عالية من السموّ والرفعة ، ومن
غير أن يتنازل مع رغبة الطامعين أو يتسافل حيث المذاهب العامّيّة الساقطة.
فإن كان القرآن
يتمثّل بقصص شعبيّة دارجة ، فإنّ معناه مجرّد التمثيل وإن كانت عناصره على أساس
التخيّل والتصوير ، فإنّ هذا ليس بعيب ، إنّما العيب فيما إذا رضخ لأوهام ساطية
على الحقائق ، لمجرّد أنّ العامّة تقبله وترضاه ، الأمر الذي هو استرضاء متسافل
مقيت ويتحاشاه القرآن الكريم.
يقول الاستاذ
خليل عبد الكريم ـ ردّا على من زعم أنّ القرآن إنّما صوّر قصّة أصحاب الكهف طبقا
لآراء أهل الكتاب ، لغرض إثبات نبوّة محمّد صلىاللهعليهوآله ، حيث كانت آراء اليهود هي المقياس الذي به يقيسون صدق
النبيّ صلىاللهعليهوآله فلو نزل القرآن بغيرها أي بما يخالف المقياس المذكور
لكذّبوا النبيّ ولما آمنوا به أو بالقرآن الذي جاء به ـ يقول ردّا على ذلك : وهل
آمن اليهود برسوليّة محمّد وصدّقوه واتّبعوه ، بعد أن جاءهم بصورة لما يعرفه أهل
الكتاب؟!
قال : أليس
القول بأنّ مجيء القرآن مطابقا للصورة التي يعلمها أهل الكتاب في خصوصيّة عدّة
أصحاب الكهف ومدّة مكثهم ، وذلك للتدليل على صدق نبوّة محمّد ، أليس لهذا القول
دلالته الصريحة أنّ معلومات أو معارف أهل الكتاب وحصرا وتحديدا اليهود ، حاكم على
القرآن ، وبعبارة أوضح : أنّ القرآن رضخ لمقياس اليهود حتّى تثبت نبوّة محمّد
ورسوليّته!! تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا!
هل ما قاله
البعض من القدامى ووافقه بعض المعاصرين ، يتّفق مع رأي القرآن في اليهود؟ وكيف
يلائم ما جاء في القرآن ، إنّ بشأن عدّة الفتية أو مدّة مكثهم بالكهف ، تصوير
معارف اليهود ، وقد رماهم القرآن بكلّ خسيسة ودفعهم بكلّ نقيصة ، وأوعر من هذا
جميعه أن تكون المطابقة لهذه المعارف هي مقياس صدق محمّد وأنّه رسول يوحى إليه