من السماء؟!
إنّ المنطق والعقل لا يقبلان ذلك ويرفضانه ، فالشخص العاديّ يشمئزّ من اتّخاذ قالة الكذوب ميزانا لصحّة كلامه ، فما بالك بالله تعالى جلّ جلاله! (١)
وقفة فاحصة؟
غير أنّا لو اعتبرنا تلك القضايا بعين التحقيق وتعمّقنا النظر الدقيق ، لرأيناها صورة طبق الواقع ، لا وهم ولا مجرد تمثيل!
إنّ أكثر القضايا التي قصّها القرآن قد اكتشفت آثارها وتبيّنت دلائل صدقها بعد حين.
ولنبدأ بما ذكره الاستاذ خليل أخيرا بشأن قضايا إسرائيلية ـ مصريّة. وأنّها لو صحّت لما أهمل ذكرها التاريخ المصري القديم : (٢)
قلت : كثير من أحداث مصر القديم لم يسجّلها التاريخ ، بعد أن كان مهمّة التاريخ الأثري هو مجرّد وصف البلاط الملكي وزهو رجالات الحكم ومجونهم في البذخ والترف والأفراح ، ليس غير. أمّا الأوضاع الاجتماعية وما عليه سائر الناس من الأحوال والأوضاع ، فهذا ممّا لا يهتمّ به التاريخ القديم سوى ما كانت له صلة بأحوال الملك وحواشيه. فالتاريخ القديم إنّما هو تاريخ الملوك ، وليس تاريخ الامم ، على خلاف ما وسم الطبري تاريخه. (٣)
ومثلا لذلك نقول : كانت رحلة العبرانيين (بني اسرائيل) إلى مصر أمرا لا ينكر ، في حين أنّه لم يأت ذكر منها في تاريخ مصر القديم. وكذا موسى وهارون ، فضلا عن يوسف وإخوته ويعقوب ، شيء لا يمكن الغضّ عنه في تاريخ مصر ، ومع ذلك لم يأت في كتابات
__________________
(١) المصدر : ص ٤٠٩ ـ ٤١٠.
(٢) يقول : «لا يوجد في العالم بلد أحرص على تدوين تاريخه كتابة كمصر ، وليس في التاريخ المصري شيء منها ... المصدر : ص ٤١٦.
(٣) وسم تاريخه باسم تاريخ الامم والملوك ، في حين أنّه ليس في تاريخه ذكر عن أحوال الامم وأوضاعها ، سوى ما يمسّ شأن القادة الملوك وتصرّفاتهم التعسّفية.