والآيات المفصّلات وموسى وشعيب وانقلاب العصيّ إلى حيّات وثعابين ... إلخ وخروج بني إسرائيل وانشقاق البحر ... إلخ وقبلها بقصّة ابني آدم وبالطوفان وبالسفينة الرائعة التي حفظت ذرّيّة آدم من الغرق ... إلخ.
إذن كان الأولى أن يصف هذه القصص بأنّها القصص الشعبيّة والقصص الدينيّة ، ولا يغضّ هذا من قيمتها أو يقلّل من قدرها أو يهوّن من مصداقيّتها أو ينال من حقيقتها! خلاصة القول إنّ الكسوة التاريخيّة التي حاول المؤلّف (خلف الله) أن يدّثر بها تلك القصص ليست ملائمة لها! (١)
* * *
ويتلخّص هذا المذهب (الذي وسموه باسم الفكر الإسلامي الحديث) في أنّ القرآن قد استخدم القصص الشعبيّة وكذا القصص الدينيّة الشائعة معبرا للبلوغ إلى أهدافه في تبليغ رسالة الله ، ومن غير أن يكون ذلك اعترافا بصحّتها أو إذعانا بصدقها ، على طريقة فنّ الخطابة وعلى أساس الأخذ بالمشهورات أو المقبولات (لدى العامّة) ولو تمثيلا ولتكون ذريعة لتحقيق الغرض في الهداية والإرشاد. وكان ذلك يكفي تبريرا للاستناد إلى قضايا يعترف بها المعاصرون أو المخاطبون استنادا تمثيليّا ، وبذلك يمكن التأثير عليهم في التبشير والإنذار!
إذن فالقرآن لا يتحمّل عبأ مسئوليّة القضايا المستند إليها ، بعد أن كانت وسائط لإنجاز الهدف من دون أن تكون هي مقصودة بالإثبات ، والغاية تبرّر الواسطة.
وبهذا التعليل حاولوا التخلّص من تبعات القول بتأريخيّة تلك الأحداث.
وحجّتهم في ذلك ، والتي دعتهم إلى سلوك هذا المسلك الوعر (حيث ارتكاب خلاف ظاهر التعبير!) أنّهم وجدوا أنفسهم في مأزق عن الإجابة الوافية لو تسالموا على واقعيّة تلك القصص والتي عليها صبغة التمثيل في حسبانهم!
__________________
(١) الفن القصصي في القرآن ، مع شرح وتعليق خليل عبد الكريم ، ص ٤١٤ ـ ٤١٦.