وثالثها : كيف يجوز خرق ثخن السماء إذا نفذوا. وإذا لم ينفذون فكيف يستمعون إلى أسرار السماء من ذلك البعد البعيد؟ وكيف لا يسمعون إلى كلام الملائكة وهم على الأرض؟
ورابعها : لم لم يسكت الملائكة عن ذكر الأحوال المستقبلة كي تتمكّن الجنّ من استماعها؟
وخامسها : أنّ الشياطين مخلوقون من النار والنار لا تحرق النار!
وسادسها : كيف جاز تداوم القذف بعد النبوّة وحتّى بعد وفاة النبيّ صلىاللهعليهوآله في حين أنّ الاستراق كان لأجل خلط أمر الوحي؟
وسابعها : أنّ هذه الرجوم تحدث بالقرب من الأرض ولو كانت قريبة من فلك السماء لما شاهدنا حركتها!
وثامنها : لم لم ينقل الشياطين أسرار المؤمنين إلى الكفار ، إذا كان يمكنهم نقل أخبار الملائكة إلى الكهنة؟
وتاسعها : لم لم يمنعوا ابتداء من الصعود إلى السماء حتّى لا يحتاج في دفعهم إلى قذف الشهب؟ (١)
لكن لو فطن الرازي من أوّل الأمر إلى أنّ القرآن إنّما يحارب هذه العقيدة ويحاول هدمها باسلوبه الخاصّ ، القائم على فكرة التدرّج ، وأنّ هذا التدرّج يشبه تماما التدرّج في التشريع في مسألة محاربة الخمر وغيرها وأنّ النسخ في التشريع إنّما يعلّل بهذه الفكرة. لو فطن الرازي إلى كلّ هذا لما أتعب نفسه وأتعب غيره في هذه الوقفات الطويلة ، ولقال بأنّ القرآن إنّما يأخذ الناس بتصوّراتهم ، وأنّه في هذا الموقف قد سلّم بهذه العقيدة ، لا لأنّها حقّ وصدق ، وإنّما لأنّه يريد أن يهدمها تدريجيّا ، فيسلّم بها أوّلا ثمّ يأخذ في هدمها مستعينا بالزمن.
__________________
(١) نقلناها بتلخيص واختزال. راجع : التفسير الكبير ، ج ٣٠ ، ص ٦١. وقد أجاب الرازي عنها إجابات ضعيفة ممّا يقوّي الإشكال!