مِنْ كُلِّ جانِبٍ. دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ. إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ). (١)
ذلك اسلوب محاربة الفكرة يوم أن كان سلطانها قويّا وإيمانهم بها عنيفا ، ويوم أن كان القرآن في أوّل عهده بهم.
ولكن حينما تقدّم الزمن وحينما استقرّ الأمر في البيئة واشتهر أمر المعجزة وأخذ القوم يصدّقون بالرجم انتقل القرآن إلى اسلوب آخر في محاربة الفكرة فادّعى أنّ الجنّ ما كانت تعلم الغيب وأنّها لو كانت تعلمه ما لبثت في العذاب بعد أن فارق سليمان عليهالسلام الحياة (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ). (٢)
واسلوب المحاورة قد يوقع بعض المفسّرين في إشكالات خاصّة ، حينما يأخذون المسائل مأخذ الجدّ ويحاولون البحث عن الأجرام السماويّة وهل كانت موجودة قبل محمّد أو لم تكن؟ وإذا كانت فكيف جعلت رجوما؟ وهكذا إلى أن يضيّقوا هم أنفسهم بأمثال هذه المسائل. جاء في الرازي ما يلي :
يروى أنّ السبب في ذلك أنّ الجنّ كانت تتسمّع لخبر السماء ، فلمّا بعث محمّد صلىاللهعليهوآله حرست السماء ورصدت الشياطين ، فمن جاء منهم مسترقا السمع رمي بشهاب فأحرقه لئلّا ينزل به إلى الأرض فيلقيه إلى الناس فيخلط على النبي أمره ويرتاب الناس بخبره. فهذا هو السبب في انقضاض الشهب وهو المراد من قوله : (وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ). (٣) ومن الناس من طعن في هذا من وجوه :
أحدها : أنّ انقضاض الكواكب مذكور في كتب القدماء ، قالوا إنّ الأرض إذا سخنت بالشمس ارتفع منها بخار يابس وإذا بلغ النار التي دون الفلك احترق بها ، فتلك الشعلة هي الشهاب.
وثانيها : أنّ هؤلاء الجنّ كيف يجوز أن يشاهدوا الالوف منهم يحترقون ، ومع ذلك يعودون لمثل صنيعهم!
__________________
(١) الصافّات ٣٧ : ٦ ـ ١٠.
(٢) سبأ ٣٤ : ١٤.
(٣) الملك ٦٧ : ٥.