الطوفان. فالرواية الأرمنية القديمة لا تعرف ـ على التحقيق ـ شيئا على جبل استقرّت عليه فلك نوح. فلمّا أن جاء ذكر جبل في المؤلّفات الأرمنية المتأخّرة تبيّن أنّ ذلك كان بتأثير الكتاب المقدّس ، المتزايد في هذه المؤلّفات. والكتاب المقدّس هو الذي يقول إنّ السفينة استقرّت على جبال أراراط. وأعلى هذه الجبال وأشهرها جبل «ماسك» (ماسيس) ومن ثمّ فلا بدّ أنّ نوحا قد حطّ بسفينته على هذا الجبل.
أمّا المرحلة الثانية من نموّ هذه الرواية الأرمنية فتردّ إلى الأوربيّين الّذين أطلقوا اسم آراراط (بالإرمينية : إيراراط) وهو اسم ناحية على جبل ماسك ، استنادا على تفسير خاطئ لسفر التكوين. (١)
وإنّما أخذت الرواية القائلة بأنّ «ماسك» هو الجبل الذي استقرّت عليه السفينة ، تجد مكانا في المؤلّفات الأرمنية في القرنين الحادي عشر والثاني عشر. وتذهب التفاسير الدينية السابقة على هذا في الزمن ، إلى أنّ الجبل المعروف الآن بجبل «الجوديّ» أو جبال «جورديين» (بالسريانية : قردو. وبالإرمينية : كردخ) ـ كما تقول المصادر النصرانية ـ هو المكان الذي رست عليه سفينة نوح.
والمحقّق أنّ هذا التحديد للمكان الذي استقرّت عليه السفينة ـ وهو التحديد الذي ذكر حتّى في الترغوم (الترجمة الكلدانية للعهد القديم) ـ يسند إلى الرواية البابلية. وقد نشأ من الاسم البابلي «برسوس».
زد على ذلك أنّ جبل «نصر» الذي ذكر في قصّة الطوفان في الكتابات المسمارية يصحّ أيضا أن يحدّد مكانه في جبال «جورديين» بالمدلول الواسع لهذا الاسم. وقد أخذ النصارى بالرواية البابلية اليهودية القديمة ، وعرفها العرب منهم عند ما وصلوا بفتوحاتهم إلى إقليم «بهستان» (بلاد أرمينية). وأطلق العرب اسم الجودي ـ الوارد في القرآن ـ في غير تثبّت على جبل «قردو» المعروفة بذلك منذ أقدم الزمن.
__________________
(١) المصدر : ٨ / ٤.