إذ رفيقان اثنان لا يكونان رفيقي كلّ رحل ، وإنما يريد الرفقاء كلّ واحد مع صاحبه يكونان رفيقين.
وأمّا وصف الزوجين بالاثنين فلإرادة التأكيد والتشديد في المتبوع ، كما قال تعالى : (لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ)(١) خطابا مع المشركين ، نهى عن اتخاذ الآلهة ، ومع ذلك جاء تأكيده بالاثنين ، زيادة في المبالغة. (٢) ومن ثمّ عقّبه بقوله : (إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ).
وإنّما جاء بالتثنية باعتبار اتخاذ إله آخر معه سبحانه ، أي لا تتّخذوا مع الله إلها آخر ، والمعنى : النهي عن التعدّد في الآلهة وإن كان في صياغة المثنّى (٣) وقد بحثنا عن إرادة الشياع من المثنّى بتفصيل فليرجع إليه. (٤)
(وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِ)(٥)
يقال : إنّه تعريب «جورداي» اليونانية ، اسم لسلسلة جبال تمتدّ من شماليّ العراق فإلى تركيا وبلاد أرمينية ذات قمّة رفيعة (٥١٧٥ مترا) عرفت ب «آراراط». شاع عند الأرامنة ـ القاطنين في المنطقة ـ أنّها مرسى سفينة نوح ، وأخذ عنهم العرب من غير تحقيق.
ويرجع هذا الشياع إلى عهد متأخّر (منذ القرن العاشر بعد الميلاد) حيث ترجمت عبارة التوراة : (رست السفينة على جبل الأكراد) بجبل آراراط.
ولم تكن الأرامنة تعرف لذلك الوقت مرسى متعيّنا للسفينة ، حتى شوّهت عليهم هذه الترجمة الخاطئة ، وجعلت الأوهام تحيك حولها أساطير.
جاء في دائرة المعارف الإسلامية : والمحقّق من كتابات كثير من المؤلّفين الأرمن وغيرهم من الكتّاب أنّ جبل «آراراط» لم يكن له حتّى القرن العاشر صلة ما بحادث
__________________
(١) النحل ١٦ : ٥١.
(٢) راجع : مجمع البيان للطبرسي ، ج ٥ ، ص ١٦١.
(٣) المصدر : ج ٦ ، ص ٣٦٥.
(٤) فيما يأتي في البحث عن آية وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ فيما توهّم من المخالفة مع العلم.
(٥) هود ١١ : ٤٤.