هداية. ونستطيع أن نعرض عليك منها الظواهر التالية : (١)
١ ـ إهمال القرآن ـ حينما يقصّ ـ كثيرا من مقوّمات التاريخ من زمان ومكان ، وأحيانا أبطال المعركة. فليس في القرآن الكريم قصّة واحدة عنى فيها الزمان. أمّا المكان إهمالا يكاد يكون تامّا لو لا تلك الأمكنة القليلة المبعثرة هنا وهناك والتي لم يلفت القرآن الذهن إليها. كما عمد إلى إهمال الأشخاص في بعض أقاصيصه إهمالا تامّا. اللهمّ إلّا إذا كان لمعرفة الأشخاص دخلا في العبرة بها.
وهذا من اصول البلاغة في الكلام ، أن لا يذكر من الحادث إلّا ما كانت له صلة بغرض الكلام.
٢ ـ اختياره لبعض الأحداث دون بعض. فلم يعن القرآن بتصوير الأحداث الدائرة حول شخص أو الحاصلة في أمّة تصويرا تامّا كاملا ، وإنّما يكتفي باختيار ما يساعده على الوصول إلى أغراضه ، أي ما يلفت الذهن إلى مكان العظة وموطن الهداية ، ولعلّه من أجل ذلك كان القرآن ، يجمع في الموطن الواحد كثيرا من الأقاصيص التي تنتهي بالقارئ إلى غاية واحدة.
٣ ـ كان لا يهتمّ بالترتيب الزمني أو الطبيعي في إيراد الأحداث وتصويرها ، وإنّما يخالف في هذا الترتيب ويتجاوزه ، الأمر الذي أكثر من الإشارة إليه الاستاذ الشيخ محمد عبده. قال ـ بعد سرد قصص بني إسرائيل ذوات عبر من سورة البقرة ـ : جاءت هذه الآيات على اسلوب القرآن الخاصّ الذي لم يسبق إليه ولم يلحق فيه ، فهو في هذه القصص لم يلتزم ترتيب المؤرّخين ولا طريقة الكتّاب في تنسيق الكلام وترتيبه على حسب الوقائع ، حتّى في القصّة الواحدة. وإنّما ينسق الكلام فيه باسلوب يأخذ بمجامع القلوب ، ويحرّك الفكر إلى النظر تحريكا ، ويهزّ النفس الكلام فيه باسلوب يأخذ بمجامع القلوب ، ويحرّك الفكر إلى النظر تحريكا ، ويهزّ النفس للاعتبار هزّا. وقد راعى في قصص بني إسرائيل أنواع المنن التي منحهم الله تعالى إيّاها ، وضروب الكفران والفسوق التي قابلوها بها ، وما كان في أثر كلّ ذلك من تأديبهم بالعقوبات ، وابتلائهم بالحسنات
__________________
(١) وللاستاذ محمد أحمد خلف الله هنا تحقيق لطيف. راجع : الفنّ القصصي في القرآن الكريم ، ص ٨٠.