والسيّئات ، وكيف كانوا يحدثون في أثر كلّ عقوبة توبة ، ويحدث لهم في أثر كلّ نوبة نعمة ، ثمّ يعودون إلى بطرهم ، وينقلبون إلى كفرهم! (١)
وهكذا قصّة لوط جاءت في سورة الحجر : (فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ. قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ. قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ. وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ. فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ. وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ. وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ. قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ. وَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ. قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ. قالَ هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ. لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ. فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ ...). (٢)
لكنّها لو لوحظت مع إحدى قصص لوط في القرآن كقصّته في سورة هود (الآيات :
٧٨ ـ ٨٣) تختلف عنها في ترتيب سرد أحداثها ، فتبتدئ بمجيء الملائكة ، ثمّ حاله واضطرابه النفسي ، ثمّ مجيء القوم ، ثمّ موقفه وعرض بناته حتّى لا يخزى ، ثمّ ردّهم عليه وعزمهم على إتمام عزمهم ، ثمّ موقف الملائكة وإخبارهم إيّاه بأنّهم رسل ربّه ، وإخبارهم بمجيء العذاب وموعده ، ثمّ نوع العذاب.
فهنا نلحظ أنّ المحاورة بينه وبين قومه تتمّ قبل أن تخبره الملائكة بأنّهم رسل ربّه. والقصّة تجري بعد ذلك وقد رتّبت وقائعها الترتيب الذي يشعر بأنّ الزمن هو المحور الذي يربط هذه الوقائع المختارة أو هذه الأحداث المصوّرة.
أمّا في سورة الحجر فالملائكة تعلّمه كلّ شيء قبل مجيء قومه ، ومع ذلك تمضي المحاورة مع قومه وكأنّه لم يعلم بأنّ أضيافه من الملائكة.
وليس يخفى أنّ هذا بعيد عن الوقائع ، ومشاكلته قريب من القصص وما فيه من حرّيّة تؤذن للقاصّ بأن يرتّب أحداثه الترتيب الذي يصل إلى الغرض ويؤدّي إلى الأهداف.
ولعلّ السبب في هذا الاختلاف : القصد من قصّة لوط في سورة هود هو تثبيت قلب
__________________
(١) تفسير المنار ، ج ١ ، ص ٣٤٦.
(٢) الحجر ١٥ : ٦١ ـ ٧٣.