وهذا هو الرأي الصحيح ، فقد رخّص الله لنوح أن يحمل معه ما يملكه من الحيوانات الأهلية بقدر ما يحتاج إليه من زاد وراحلة ، ولا يثقل حمله حتّى تعود الأحوال إلى أوضاعها الأولى. وأمّا سائر الأحياء الأهلية والوحش فتتشرّد لوجهها ولا تبقى في المنطقة المصابة بالحادث ، كما هو مألوف. هذا ما يدلّ عليه نصّ القرآن لا أكثر.
والزوجان ـ في الآية ـ يراد به المتعدّد في تشاكل ، أي من كلّ جنس عددا يفي لتأمين الحاجة بها.
وهذا نظير قوله تعالى : (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها) (في الأرض) (زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ)(١) أي من كلّ نوع في أشكال وألوان متقاربة ومتنوّعة ، كالتفّاحة في أشكالها وألوانها ، وهكذا الليمون والرّمان وسائر الفواكه من كلّ نوع فيها أزواج متشابهة. كما قال تعالى : (وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ)(٢) أي متشاكلا وغير متشاكل.
وجاء في وصف فواكه الجنّة : (فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ)(٣) أي صنفان متشاكلان. والمراد المتعدّد في أشكال وأصناف ، كما قال : (وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً)(٤) أي متشاكلا.
ومن الواضح أنّ الثمرة ـ وهي الفاكهة ـ ليس فيها ذكر ولا انثى ولا تزاوج لقاح ، وإنّما ذاك في بذور الأزهار لا في الفواكه والثمار.
على أنّها لغة دارجة : أن يراد بالمثنّى الشياع في الجنس لا الاثنان عددا. قال أبو علي : الزوجان في قوله : (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ) يراد بهما الشياع وليس يراد بهما عدد الاثنين ، كما قال الشاعر :
فاعمد لما يعلو فمالك بالذي |
|
لا تستطيع من الامور يدان |
يريد : الأيدي والقوى الكثيرة حتّى يستطيع التغلّب بها على الامور.
قال : ويبيّن هذا المعنى أيضا قول الفرزدق :
وكلّ رفيقي كلّ رحل وإن هما |
|
تعاطى القنا قوما هما أخوان (٥) |
__________________
(١) الرعد ١٣ : ٣.
(٢) الأنعام ٦ : ١٤١.
(٣) الرحمن ٥٥ : ٥٢.
(٤) البقرة ٢ : ٢٥.
(٥) تعاطى مخفّف تعاطيا ، حذف اللام للضرورة. جامع الشواهد ، ص ٣٢٤.