وقد روي [وبإسناد صحيح] عن زيد بن ثابت أنّه كان يحجب الامّ بالأخوين ، فقالوا له : يا أبا سعيد ، إنّ الله تعالى يقول (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ)(١) وأنت تحجبها بالأخوين؟ فقال : إنّ العرب تسمّي الأخوين إخوة. (٢)
فإذا كان زيد بن ثابت [وهو عربيّ صميم] قد حكى عن العرب أنّها تسمّي الأخوين إخوة فقد ثبت أنّ ذلك اسم لهما يتناولهما ... (٣)
قال تعالى : ـ بشأن الأولاد ـ : (فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ). (٤) فقد شملت النساء ـ وهي صيغة الجمع ـ للاثنتين فما فوق. ومن ثمّ كان معنى قوله «فوق اثنتين» : اثنتين فما فوق. وذلك بدليل تقابله مع قوله : (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ). وإلّا كانت الاثنتان مغفولا عنهما ، الأمر الذي لا يتّفق مع كون سياق الكلام لبيان الاستيعاب.
ويشهد لذلك قوله تعالى بشأن الكلالة : (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ. وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ). (٥) والمراد : الاثنتان فما فوق ، بدليل الإجماع في كلا الموضعين.
ذكر الطبرسي في الآية الاولى وجوها ، أحدها ـ وهو أوجهها ـ : أنّ في الآية بيان حكم البنتين فما فوق ، لأنّ معناه : فإن كنّ اثنتين فما فوق فلهنّ ثلثا ما ترك ، إلّا أنّه قدّم ذكر الفوق على الاثنتين ، كما روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال : لا تسافر المرأة سفرا فوق ثلاثة أيّام إلّا ومعها زوجها أو ذو محرم لها. (٦) ومعناه : لا تسافر سفرا ثلاثة أيّام فما فوقها. (٧)
__________________
(١) النساء ٤ : ١١.
(٢) أحكام القرآن للجصّاص ، ج ٢ ، ص ٨١ ـ ٨٢.
(٣) السنن الكبرى للبيهقي ، ج ٦ ، ص ٢٢٧ ، باب فرض الامّ. وقد عقد البيهقي بابا لترجيح قول زيد على قول غيره من الصحابة وأنّه أعلم الصحابة بعلم الفرائض. راجع : ج ٦ ، ص ٢١٠. وهكذا روى الحاكم في المستدرك ، ج ٤ ، ص ٣٣٥ : كان زيد يقول : الإخوة في كلام العرب إخوان فصاعدا. قال : هذا حديث صحيح لم يخرجه الشيخان. وروى بإسناد صحّحه أيضا أنّ زيدا أفرض الامّ. وراجع : الدرّ المنثور ، ج ٢ ، ص ٤٤٧.
(٤) النساء ٤ : ١١.
(٥) النساء ٤ : ١٧٦.
(٦) راجع : السنن الكبرى ، ج ١٠ ، ص ٨٢ ؛ وسنن أبي داود ، ج ٢ ، ص ١٤٠ ، رقم ١٧٢٦ ؛ وسنن ابن ماجة ، ج ٢ ، ص ٢١١ ، رقم ٢٩٤٧ ؛ وصحيح البخاري ، ج ٢ ، ص ٥٤ ، باب التقصير في السفر ، رقم ٤.
(٧) مجمع البيان ، ج ٣ ، ص ١٤.