قال سيبويه ـ في باب ما لفظ به ممّا هو مثنّى كما لفظ بالجمع ـ : وهو أن يكون الشيئان كلّ واحد منهما بعض شيء مفرد من صاحبه ، وذلك قولك : ما أحسن رءوسهما ، وما أحسن عواليهما. وقال عزوجل : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما)(١). (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما)(٢) فرّقوا بين المثنّى الذي هو شيء على حدة وبين ذا. وقال الخليل : نظيره قولك : فعلنا ، وأنتما اثنان فتكلّم به كما تكلّم به وأنتم ثلاثة.
وقد قالت العرب في الشيئين اللّذين كلّ واحد منهما اسم على حدة وليس واحد منهما بعض شيء ، كما قالوا في ذا (أي فيما كان كلّ واحد منهما بعض شيء) لأنّ التثنية جمع ، فقالوا كما قالوا فعلنا. وزعم يونس أنّهم يقولون : ضع رحالهما وغلمانهما ، وإنّما هما اثنان. قال الله عزوجل : (وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ. إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِ). (٣) وقال : (كَلَّا فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ). (٤)
* * *
وفي كتاب «إعراب القرآن» المنسوب إلى الزجّاج (٥) جاء الباب الثامن والأربعون لبيان ما جاء في القرآن من الجمع يراد به التثنية.
فمن ذلك قوله تعالى : (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ). (٦) وأجمعت الامّة على أنّ الأخوين يحجبان الامّ من الثلث إلى السدس بدلالة الآية.
وقوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما)(٧) أي يديهما.
وقوله تعالى : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما)(٨) أي قلباكما.
وقيل في قوله تعالى : (بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) : (٩) إنّه من هذا الباب ، لقوله تعالى :
__________________
(١) التحريم ٦٦ : ٤.
(٢) المائدة ٥ : ٣٨.
(٣) ص ٣٨ : ٢١ و ٢٢. في حين أنّهما كانا اثنين (أخوين).
(٤) الشعراء ٢٦ : ١٥. راجع : كتاب سيبويه ، ج ٢ ، ص ٢٣٧.
(٥) ومن المحتمل القريب أنه لمكي بن أبي طالب. راجع : ملحق الكتاب ، ص ١٠٩٦ ـ ١٠٩٩.
(٦) النساء ٤ : ١١.
(٧) المائدة ٥ : ٣٨.
(٨) التحريم ٦٦ : ٤.
(٩) المعارج ٧٠ : ٤٠.