ومن ذلك أيضا قوله تعالى : (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ). (١)
قال الزمخشري : فإن قلت : كيف صحّ مجيء خاضعين خبرا عن الأعناق؟ قلت : أصل الكلام فظلّوا لها خاضعين ، فاقحمت الأعناق لبيان موضع الخضوع ... أو لمّا وصفت بالخضوع الذي هو للعقلاء قيل : خاضعين ، كما تقدّم في قوله «لي ساجدين» من سورة يوسف. وقيل : أعناق الناس رؤساؤهم ومقدّموهم ، شبّهوا بالأعناق كما قيل لهم : هم الرءوس والنواصي والصدور. قال شاعرهم :
ومشهد قد كفيت الغائبين به |
|
في محفل من نواصي القوم مشهود |
والمراد من نواصي القوم أشرافهم. (٢)
ومثله قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً). (٣)
أي الآلهة التي يعبدها المشركون هم يبتغون إلى ربّهم الوسيلة ويتسابقون كي يتقرّبوا إلى الله ، فكيف يعبدونها من دون الله؟!
فقد عبّر عنهم بلفظ جماعة العقلاء ، وذلك لمّا عدّوهم معبودين جرى عليهم ما جرى على العقلاء (٤) وله نظائر كثيرة في القرآن :
(إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها). (٥)
(وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ)(٦) أي لا تسبّوا ما يعبده المشركون.
(وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ). (٧)
__________________
(١) الشعراء ٢٦ : ٤.
(٢) الكشّاف ، ج ٣ ، ص ٢٩٩.
(٣) الإسراء ١٧ : ٥٧.
(٤) إعراب القرآن المنسوب إلى الزجّاج ، ص ٩٠٣ ـ ٩٠٤.
(٥) الأعراف ٧ : ١٩٤ و ١٩٥.
(٦) الأنعام ٦ : ١٠٨.
(٧) الرعد ١٣ : ١٤.