فحيث شبّهت الأشياء بمن يلهج بالتسبيح من إنس وجنّ وملك استعير لفظ التسبيح الذي هو فعل ذوي العقول. ثمّ جرى الكلام على هذا النمط وقال : (لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) ، أتى بضمير الجمع المذكّر حسب سياق الكلام.
وهكذا جعل الزمخشري قوله تعالى : (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ)(١) من نوع الاستعارة بالكناية. قال : لما جعلن مخاطبات ومجيبات ، ووصفن بالطوع والكره ، قيل : طائعين ، في موضع طائعات. (٢) فقد شبّهت السماوات والأرض بالكائنات الحيّة العاقلة الناطقة ، فوصفها بالقول والإطاعة.
قال : وهذا نظير قوله تعالى : (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ). (٣) لأنّه لمّا وصفها بما هو خاصّ بالعقلاء وهو السجود أجرى عليها حكمهم كأنّها عاقلة. وهذا كثير شائع في كلام العرب أن يلابس الشيء بشيء من بعض الوجوه ، فيعطى حكما من أحكامه ، إظهارا لأثر الملابسة والمقاربة. (٤)
وكذا قوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ). (٥)
عبّر ب «من» ـ وهو لذوي العقول ـ بنفس الاعتبار. ولذلك جاء الجمع ، جمع المؤنّث السالم.
وعلى نفس الغرار جاء قوله تعالى : (وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ)(٦) ضمير جمع المؤنّث حيث تشبيه الجبال بالمسبّحات.
قال الزمخشري في قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)(٧) : الضمير للشمس والقمر ، والمراد بهما جنس الطوالع كلّ يوم وليلة. جعلوها متكاثرة لتكاثر مطالعها وهو السبب في جمعهما بالشموس والأقمار.
قال : وإنّما جعل الضمير «واو» العقلاء للوصف بفعلهم وهو السباحة. (٨)
__________________
(١) فصّلت ٤١ : ١١.
(٢) الكشّاف ، ج ٤ ، ص ١٩٠.
(٣) يوسف ١٢ : ٤.
(٤) الكشّاف ، ج ٢ ، ص ٤٤٤.
(٥) النور ٢٤ : ٤١.
(٦) الأنبياء ٢١ : ٧٩.
(٧) الأنبياء ٢١ : ٣٣.
(٨) الكشّاف ، ج ٣ ، ص ١١٥.