وَهُوَ شَهِيدٌ). (١)
وإنّما لم يصرّح بهذا التقدير ، تحاشيا من تشبيه الواعظ الناصح والمرشد الكامل في وعظه الشافي وإرشاده الحكيم بمن ينطق بمهملات لا معنى لها سوى التصويت والنعيق كصياح الغراب. (٢)
(وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ)(٣)
قد تكرّر في القرآن أنّه نزل بلسان عربيّ مبين (٤) وهو الظاهر البيان ميسّر لا تعقيد فيه ولا إبهام (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ). (٥)
هذا مع العلم بأنّ في القرآن آيات متشابهة (مغلقة الفهم مبهمة المعنى) بشهادة القرآن ذاته ، حيث قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ). وأخيرا (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ). (٦) أمّا عامّة الناس فإنّهم محرومون عن فهم هذا اللفيف من الآيات ، وأصبحت لا فائدة فيها عندهم سوى تلاوتها جريا على الألسن لا وعيا في القلوب!! (٧)
لكن تعرّضنا ـ عند الكلام عن متشابهات القرآن ـ (٨) للإجابة على هذا السؤال وقلنا : متشابه القرآن على نوعين : أصلي وطارئ. والطارئ ـ وهو الأكثرية الساحقة من متشابهات القرآن ـ ما عرض له التشابه فيما بعد ولم يكن متشابها في أصله وعند نزوله ، وذلك من جرّاء تضارب الآراء وتخاصم أرباب الجدل والذي ثار أواره في مؤخّرة القرن الأول ودام حتّى القرنين الثاني والثالث ، وظهرت مذاهب ومشارب متنوّعة ومتزاحمة بعضها مع بعض في تلك الفترة غير القصيرة. كان صاحب كلّ مذهب فكري يعمد إلى لفيف مع آيات وروايات ليؤوّلها إلى حيث مرتآه الخاصّ ويفسّرها حسب رأيه ، دعما
__________________
(١) ق ٥٠ : ٣٧.
(٢) راجع : الهدى إلى دين المصطفى ، ج ١ ، ص ٣٩٧.
(٣) النحل ١٦ : ١٠٣.
(٤) الشعراء ٢٦ : ١٩٥.
(٥) الدخان ٤٤ : ٥٨.
(٦) آل عمران ٣ : ٧.
(٧) هذه شبهة أوردها هاشم العربي في ملحق ترجمة كتاب الإسلام ، ص ٣٧٩.
(٨) في المجلد الثالث من التمهيد.