البيع ويحرّم الربا ، وقالوا : إنّما البيع مثل الربا في الترابح وجلب المنافع ، فما شأن البيع يحلّل والربا يحرّم؟!
وقد حكى الله تعالى عنهم ذلك تفضيعا لشانئتهم :
(الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا). (١)
فشنّع عليهم قولتهم هذه ، حيث المفاسد والآثار السيّئة التي يعقّبها الربا لا يوجد شيء منها في البيع ، ومن ثمّ فإنّ هذا التشبيه إنّما هو من مضاعفات تسويل الشيطان على عقولهم الغائرة. (٢)
(وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ)(٣)
قالوا : وكان الجدير أن يقول : ومثل الذي يعظ الكفّار كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلّا دعاء ونداء صمّ بكم عمي فهم لا يعقلون ...
قال المفسّرون : في الكلام تقدير ، والمعنى : ومثل الذين كفروا في دعائك إيّاهم كمثل الذي ينعق البهائم ... كما في قوله : (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ). (٤) (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ... إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ). (٥)
(أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ). (٦)
(إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ). (٧)
إلى غيرهنّ من آيات تعرب عن فشل محاولة إرشاد من لا قلب له ولا وعي ولا حضور ، وهو تائه في غياهب الضلال. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ
__________________
(١) البقرة ٢ : ٢٧٥.
(٢) راجع : الهدى إلى دين المصطفى ، ج ١ ، ص ٣٩٧ ـ ٣٩٨.
(٣) البقرة ٢ : ١٧١.
(٤) الأعراف ٧ : ١٧٩.
(٥) النمل ٢٧ : ٨٠ و ٨١ ، الروم ٣٠ : ٥٢ و ٥٣.
(٦) الزخرف ٤٣ : ٤٠.
(٧) فاطر ٣٥ : ٢٢.