الخطر القريب المحدق وهي عنه غافلة لاهية : (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ... لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ...)(١)
ويزيدهم غفلة : أنّهم أسرّوا النجوى ـ أي تواطئوا فيما بينهم تجاه مقابلة الحقّ الذي أتاهم ليصدّوا عنه. وكانت النجوى التشكيك في رسالة الله على يد بشر مثلهم : (هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ...). (٢)
وهل كانت التوطئة الخبيثة إلّا من قبل الملأ الذين سطوا في البلاد وأظهروا الفساد بين العباد. ومن ثمّ جاءت كلمة «الّذين ظلموا» اختصاصية ، فاصلة بين الفاعل ـ لغرض تبيينه ـ والمفعول به. وهو أبلغ تفضيعا بشأنهم ممّا لو أسند الفعل إليهم رأسا.
والمعنى : وأسرّ الغافلون النجوى ـ وأخصّ منهم الذين ظلموا ـ ... هؤلاء ، أشدّ وطئا من سائر الغفلة الذين يشكّلون عامّة المشركين آنذاك.
وقد ذكر النحاة : أنّ محلّ «الذين ظلموا» إمّا نصب على إرادة الاختصاص ، أو رفع على الإبدال من ضمير الجمع. قال الزمخشري : إشعارا بأنّهم الموسومون بالظلم الفاحش فيما أسرّوا به. (٣) وهكذا ذكر العلّامة البلاغي بشأن الآية. (٤)
ثلاثة قروء
قال تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ). (٥)
قال الزمخشري : فإن قلت : لم جاء المميّز على جمع الكثرة دون القلّة التي هي الأقراء؟ قلت : يتّسعون في ذلك فيستعملون كلّ واحد من الجمعين مكان الآخر ، لاشتراكهما في الجمعيّة. ألا ترى إلى قوله «بأنفسهنّ» وما هي إلّا نفوس كثيرة. ولعلّ القروء كانت أكثر استعمالا في جمع قرء من الأقراء ، فأوثر عليه ، تنزيلا لقليل الاستعمال منزلة المهمل ، فيكون مثل قولهم : ثلاثة شسوع. (٦)
__________________
(١) الأنبياء ٢١ : ١ و ٢.
(٢) الأنبياء ٢١ : ٣.
(٣) الكشّاف ، ج ٣ ، ص ١٠٢.
(٤) الهدى إلى دين المصطفى ، ج ١ ، ص ٣٨٤.
(٥) البقرة ٢ : ٢٢٨.
(٦) الكشّاف ، ج ١ ، ص ٢٧٢.