الأكثرية الساحقة ـ أم الذين بقوا على جاهليّتهم الاولى وهم النزر اليسير. لكنّهم جميعا بخعوا أمام كبرياء هذا الكتاب وجبروت هذا الكلام.
فيا لصاحبنا المسكين يخطّئ ويصوّب فيما لا شأن له؟!
إنّ كلمة «وراء» في هكذا موارد من استعمالاتها يراد بها : الكارثة الخطيرة التي تتعقّبهم في مسيرة الحياة ، والمعنى أنّهم سائرون لاهين ، وتلاحقهم داهية دهماء تسعى وراءهم للنيل منهم وهم غافلون عنها غير مبالين بها. وهو من ألطف الكنايات.
وهذا كما في قوله تعالى : (وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ). (١) (مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً). (٢) (مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ). (٣) (وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ). (٤)
وهكذا جاء استعماله في الشعر الجاهلي ، قال لبيد :
أليس ورائي إن تراخت منيّتي |
|
لزوم العصا تحنى عليها الأصابع |
وقال عبيد :
أليس ورائي إن تراخت منيّتى |
|
أدبّ مع الولدان أزحف كالنسر |
وقال المرقش :
ليس على طول الحياة ندم |
|
ومن وراء المرء ما لا يعلم (٥) |
قوله : أليس ورائي ، أي أليس يتعقّبني لزوم العصا؟ وهو تعبير كنائي عن الانتظار لهم في منتهى خطّ المسير. فكان قول المفسّرين : أمامهم ، هو لازم المعنى ولم يريدوا ترجمة اللفظة.
(وَطُورِ سِينِينَ)(٦)
قال المتكلّف : هذا ممّا أخطأ القرآن فيه مراعا للرويّ. والوجه : سيناء كما جاء في
__________________
(١) المؤمنون ٢٣ : ١٠٠.
(٢) الجاثية ٤٥ : ١٠.
(٣) إبراهيم ١٤ : ١٦.
(٤) إبراهيم ١٤ : ١٧.
(٥) راجع : الهدى إلى دين المصطفى ، ج ١ ، ص ٣٥٢.
(٦) التين ٩٥ : ٢.