ـ عند إرادته تعالى لتكوين شيء ـ بين هذه الإرادة وتكوين ذاك الشيء حالا.
قال الحجّة البلاغي : «فيكون» فعل مضارع دالّ على الثبوت ، لبيان الملازمة الدائمة بين قوله «كن» وبين تكوّن الشيء بهذا الأمر لا محالة. وبهذه القدرة التامّة والملازمة الدائمة خلق عيسى من غير فحل ، إذ قال له : «كن».
وهو كلام صادر في مقام الاحتجاج بالتمثيل ، ولا تقوم الحجّة بهذا التمثيل ولا يحصل المراد منه في الاحتجاج إلّا ببيان الملازمة.
وهذا بخلاف ما لو قال : كن فكان. لأنّ هذا الاسلوب (الثاني) لا يفيد إلّا أن آدم كان. سواء أكان ذلك باتفاق أم بملازمة خاصّة بذلك الكون أو عامّة. وهو أمر معلوم لا فائدة في بيانه ولا حجّة فيه على خلق عيسى من غير فحل. فلا يكون التفريع لو قيل : كن فكان ، إلّا لغوا في كلام متهافت. (١)
والخلاصة : أنّ فعل المضارعة هنا يدلّ على الملازمة الدائمة بين قولة «كن» والتكوين. فصحّ جريانه بشأن آدم والمسيح على سواء. وهذا على خلاف ما لو قيل «فكان» ، لاحتمال مجرّد الاتفاق وليس عن ملازمة دائمة ... وهو تنبّه لطيف أفادته قريحة شيخنا العلّامة البلاغي المهديّ بهداية الله تعالى. فرحمة الله عليه من مجاهد في سبيل الله بالعلم والعمل الدائب ، أفاض الله عليه شآبيب رضوانه. آمين.
(وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً)(٢)
قال هاشم العربي : كان الصواب أن يقول : وكان قدّامهم ... (٣)
قلت : ما أقبح بالرجل لا علم له بالعربية وهو يتجرّأ في تخطئة أقدم وأقوم كلام عربي رصين. القرآن أصحّ سند عتيد حفظ على العرب لغتهم الأصيلة ، ولا تزال العرب تعرف أصالتها من القرآن وتستلهم أساليب كلامها من تعابير القرآن ، هذا ما يبدو من العرب خضوعهم تجاه عظمة القرآن ، سواء كانوا ممّن آمنوا به وصدّقوه وحيا ـ وهم
__________________
(١) الهدى إلى دين المصطفى ، ج ١ ، ص ٣٨٠.
(٢) الكهف ١٨ : ٧٩.
(٣) ملحق ترجمة كتاب الإسلام ، ص ٤٢٦.