قالوا : وكان ينبغي أن يقول : ثمّ قال له كن فكان.
قال بعضهم ـ تجاسرا على كتاب الله ـ : آثر الرويّ على المعنى ، فآثر الإخلال بالمعنى ليستقيم له الرويّ. وزاد بشاعة في القول : قد ساقه إليه ما ألفه لسانه ـ يعني محمدا صلىاللهعليهوآله ـ حيث كرّره في ستّة مواضع من كتابه بصيغة المضارع ، ممّا كان متناسبا فيها غير ما هنا. (١)
لكن المسكين ذهب عنه أنّ هذه الجملة تمثّل كلمة التكوين وليست تكليفا بالقول ، ومن ثمّ كان المسيح عليهالسلام كلمة الله ألقاها إلى مريم. (٢)
قال الشيخ محمّد عبده : يجوز أن تكون كلمة التكوين مجموع «كن فيكون». والمعنى : ثمّ قال له كلمة التكوين التي هي عبارة عن توجّه الإرادة إلى الشيء ووجوده بها حالا. قال : ويظهر هذا في مثل قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُ). (٣) ولو كان القول للتكليف لم يظهر هذا ، لأنّ قول التكليف من صفة الكلام ، وقول التكوين من صفة المشيئة. (٤)
فلفظة «كن» تمثّل إرادته تعالى المتعلّقة بتكوين شيء. و «فيكون» تمثّل تكوين الشيء حالا فور إرادته تعالى. الأمر الذي يتمثّل في لفظة المضارع الدالّة على التحقّق في الحال ، ولا يصلح لذلك صيغة الماضي إلّا بتأويله إلى إرادة الحال أي «فكان في الحال». وهذا ممّا يكفله صيغة المضارع من غير تأويل. وهذا هو معنى قولهم : «فيكون» حكاية حال ماضية. (٥) أي وإن كان الأمر قد مضى ، لكنّها حكاية عن أمر كان حالا في ظرفه : فقد تكوّن الشيء حالا فور الإرادة. وهذا من تصوير الحال الماضية كما يقول أهل المعاني.
فمعنى قوله «كن فيكون» : أن لا فاصل زمنيّا بين إرادته تعالى وتكوين الشيء (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ). (٦) (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ). (٧) أي لا فاصل
__________________
(١) هاشم العربي في ملحق ترجمة كتاب الإسلام ، ص ٤١٧ ـ ٤١٨.
(٢) إشارة إلى الآية ١٧١ من سورة النساء.
(٣) الأنعام ٦ : ٧٣.
(٤) تفسير المنار ، ج ٣ ، ص ٣١٩.
(٥) الكشّاف ، ج ١ ، ص ٣٦٨.
(٦) القمر ٥٤ : ٥٠.
(٧) يس ٣٦ : ٨٢.