(وَنُقَدِّسُ لَكَ)(١)
زعم المتعرّب (هاشم العربي) أنّ في ذلك لحنا ، حيث زيادة اللام من غير حاجة إليها وكان الصواب «نقدّسك». لأنّ الفعل متعدّ بنفسه. اللهمّ إلّا أن يقدّر المفعول به شيئا من الأشياء ، الأمر الّذي يزيد في إبهام الكلام. (٢)
لكنّه لم يدر الفرق بين «قدّسه» و «قدّس له»!
يقال : قدّسه أي نزّهه ومجّده. أما إذا قيل : قدّس له ، فيعني : تطهير النفس تمهيدا لإمكان الحضور لدى ساحة قدسه تعالى.
قال أرباب اللغة : يقال : قدّس الرّجل الله ، أي نزّهه ووصفه بكونه قدّوسا. والقدّوس : المتنزّه عن العيوب والنقائص. وقدّس لله ، أي طهّر نفسه له. وذلك بأن مهّدها لإمكان الاستفاضة من أنوار الملكوت.
كانت الملائكة ترى من بني آدم ذواتا منكدرة لا تصلح للاستجلاء بجلاء يليق بمقام القدس الأعلى فعرضت نفسها وهي صالحة للاقتراب من مقام القرب الأدنى.
لكنّه تعالى أعلم بالمصالح فيما يقدّر ويدبّر. (قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ). (٣)
ثمّ على فرض التقدير في الكلام فإنّه ليس على ما فرضه المتعرّب من الإبهام. قال الراغب : (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) أي نطهّر الأشياء ارتساما لك. (٤) أي بدلا من بني آدم ـ حيث يفسدون في الأرض أي يعبثون بوجوه الأشياء ليغيّروها إلى جهة الفساد ـ نقوم نحن بتطهير الأشياء وتصقيلها إلى حيث الصفاء والجلاء التامّ. الأمر الذي يتحقّق منه الامتثال التامّ لما أراده تعالى من الطهارة والنزاهة في خليقته جمعاء.
ثمّ قال له كن فيكون
قال تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ). (٥)
__________________
(١) البقرة ٢ : ٣٠.
(٢) ملحق ترجمة كتاب الإسلام ، ص ٤٣٤.
(٣) البقرة ٢ : ٣٠.
(٤) المفردات ، ص ٣٩٦.
(٥) آل عمران ٣ : ٥٩.