* * *
فما زعمه الزاعمون من وجود لحن في كتاب الله فإنّما هو لقصور فهم وعدم اضطلاع بمباني اللغة الأصيلة وإليك توضيحا لهذا الجانب :
أمّا قوله تعالى : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ)(١) فالقراءة الصحيحة المتّبعة وهي قراءة حفص وجمهور المسلمين هي القراءة بالتخفيف ، مخفّفا عن المثقّلة ، بدليل وجود اللام في الخبر. وكان أبو عمرو بن العلاء ـ وهو أعلم أهل زمانه بالقرآن والعربية وآدابها ـ يقول : إنّي لأستحيي أن أقرأ بالتشديد ورفع الاسم. فالخطأ موجّه إلى تلك القراءة المرفوضة وليس في القرآن الذي يلهج به عامّة المسلمين وعلى رأسهم قراءة حفص ذات الإسناد الذهبي إلى الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام.
أمّا الحمل على لغة بلحرث بن كعب ، حيث كانوا يلهجون في المثنّى بالألف مطلقا ـ كما فعله ابن قتيبة ـ (٢) فغير سديد. لأنّ القرآن نزل وفق اللغة الفصحى ولا يحمل على الشواذّ المنبوذة. (٣)
* * *
وأمّا الرفع في المعطوف عن منصوب «إنّ» في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ)(٤) قبل استكمال الخبر ، فلكونه عطفا على محلّ الاسم وهو رفع بالابتدائية. ورجّح ذلك لوجهين :
أحدهما : مناسبة الواو في «هادوا» ، في حين عدم ظهور إعراب الاسم بسبب البناء. قال الفرّاء : ويجوز ذلك إذا كان الاسم ممّا لم يتبيّن فيه الإعراب ، كالمضمر والموصول. (٥) كقول ضابئ بن الحارث البرجمي :
فمن يك أمسى بالمدينة رحله |
|
فإنّي وقيّار بها لغريب |
__________________
(١) طه ٢٠ : ٦٣.
(٢) راجع : تأويل مشكل القرآن ، ص ٥٠.
(٣) وقد أسهب ابن قتيبة في هذا المجال ، وذكر أشياء فيها فوائد كثيرة ، فراجع. وقد فصّلنا الكلام حول الآية في كتابنا «صيانة القرآن من التحريف» ، ص ١٨٢ ـ ١٨٣ ، طبق ١٤١٨.
(٤) المائدة ٥ : ٦٩.
(٥) مجمع البيان ، ج ٣ ، ص ٢٢٤.