وقالوا في قوله تعالى (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) : (١) كان ينبغي التأنيث في العدد ، لأنّ التقدير : وعشرة أيّام.!
وهكذا زعم من لا دراية له من المستشرقين وأذنابهم أنّ في القرآن لحنا ، وتغافلوا عن أن لو كان الأمر على ذلك لاتخذه مناوءو الإسلام من أوّل يومه ذريعة للغمز فيه وهم عرب اقحاح ، ولم يكن يصل الدور إلى هؤلاء الأجانب الأسقاط. (٢)
ليس في القرآن لحن
لا شكّ أنّ القرآن من أقدم أسناد اللغة ذوات الاعتبار ، ولا مجال للترديد في حجّيته واعتباره بعد حضوره في عصر كان العرب في أوج حضارتها الأدبية الراقية ، وكانوا أعداء ألدّاء له يتحيّنون الفرص للغمز فيه من أيّ جهة كانت ، لو لا اعترافاتهم الصريحة باعتلائه الشامخ في الأدب الرفيع. فهل يعقل أن يكون في القرآن مسارب للغمز فيه تغافلها أولئك الأقحاح ليتعرّف إليها هؤلاء الأذناب؟
على أنّ الصحيح من كلّ لغة هو ما حفظته أسنادهم العتيدة ، ولتكون هي المعيار في تمييز السليم عن السقيم. هذا ابن مالك ـ إمام في النحو والأدب ولغة العرب ـ يجعل القرآن قدوة في تنظيم قواعد اللغة وترصيف أدبها ، يقول :
وسبق حال ما بحرف جرّ قد |
|
أبوا ولا أمنعه فقد ورد |
يعني : أنّ بعض النحاة ذهبوا إلى عدم جواز تقدّم الحال على ذي حال مجرور بحرف ، ولكنّي اجيز ذلك ، استنادا إلى وروده في سند قويم وهو القرآن الكريم ، في قوله تعالى (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ). (٣) لتكون «كافّة» حالا من «الناس».
فقد جعل القرآن سندا قطعيا لقاعدة لغوية ، دون العكس على ما زعمه الزاعمون.
فكلّ ما جاء في القرآن هو الحجّة والسند القاطع لفهم مجاري الأدب الرفيع.
__________________
(١) البقرة ٢ : ٢٣٤.
(٢) انظر : تاريخ القرآن لنولديكه ، ج ٣ ، ص ٢ ـ ٤ ؛ آراء المستشرقين حول القرآن ، ج ٢ ، ص ٥٥٥ ـ ٥٧٤.
(٣) سبأ ٣٤ : ٢٨.