وإلّا فوجهة الآية عامّة كنظيراتها ، والعبرة بعموم اللفظ دون خصوص المورد.
قولة اليهود : عزير ابن الله!!
قال تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ). (١)
عزير ـ مصغّرا ـ هو الذي يسمّيه أهل الكتاب «عزرا». قال الشيخ محمّد عبده :
والظاهر أنّ يهود العرب هم الذين صغّروا بالصيغة العربية للتحبيب وصرفوه. وعنهم أخذ المسلمون. والتصرّف في أسماء الأعلام المنقولة إلى لغة اخرى معروف عند جميع الامم. حتّى أنّ اسم «يسوع» قلبته العرب فقالت : «عيسى».
وعزرا هذا هو الذي أحيا شريعة اليهود بعد اندراسها وكتب أسفارهم من جديد بعد ضياعها لمدّة تقرب من قرنين ، بعد كارثة بخت نصّر الذي شتّت شملهم وأحرق كتبهم وأخرب معابدهم ، ووضع السيف في رقابهم وأسر الباقين إلى أرض بابل حتّى فرّج عنهم الملك داريوش عند ما فتح بابل ، وساعدهم على المراجعة إلى أرض فلسطين فيمن عزم على الرجوع إليها من اليهود وعلى رأسهم عزرا ـ وهو عجوز قد طعن في السنّ ـ فأعاد بناء الهيكل على حساب ملك فارس. وقام بإحياء الشريعة وكتابة الأسفار نحو سنة ٤٥٧ ق. م. (٢) جمعها من صدور الرجال والمحفوظ لديهم من بقايا آثار التوراة. فكانت له منزلة رفيعة عند اليهود ممّا يقرب مرتبه نبيّ الله موسى عليهالسلام لأنّه أحيا الشريعة الموسوية من جديد وأعاد حياتها بعد الضياع والاندراس.
وهذا هو السرّ في تلقيبه بابن الله تشريفا بمقامه الرفيع عندهم. كما قالوا (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ). (٣) أيّ مقرّبون لديه تعالى مقربة الولد من والده.
ولعلّ تلقيب المسيح بابن الله أيضا من هذا الباب تشريفا بموضعه عند الله العزيز.
وجملة القول : إنّ اليهود كانوا وما زالوا يقدّسون عزيرا هذا. حتّى أنّ بعضهم أو
__________________
(١) التوبة ٩ : ٣٠.
(٢) راجع : سفر عزرا ، الإصحاح السابع.
(٣) المائدة ٥ : ١٨.