الحدوث وعبر البقاء جميعا. (١)
وعليه أيضا نزلت الآية : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ). (٢) أي يمكنه تعالى أن يزيل شيئا عمّا قدّر فيه ويبدّله إلى غيره ، حسب علمه تعالى في الأزل بالمصالح والمفاسد المقتضية في أوقاتها وظروفها الخاصّة. فهو تعالى كلّ يوم في شأن. (٣)
ومثلها قوله تعالى : (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ). (٤) وذلك أنّهم لفرط جهلهم أنكروا إمكان التبديل في الخلق والتدبير ـ سواء في التشريع والتكوين ـ حسبوا من التغييرات الحاصلة في طول التشريع أنّها افتراء على الله. الأمر الذي يدلّ على غباوتهم وجهلهم بمقام حكمته تعالى الماضية في الخلق والتدبير على طول خطّ الوجود.
وهذا المعنى هو المستفاد من عقيدتهم بأنّه تعالى بعد ما فرغ من خلق السماوات والأرض خلال الستة الأيّام استراح في اليوم السابع وهو يوم السبت. جاء في سفر التكوين : «فأكملت السماوات والأرض وكلّ جندها ، وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل ، فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل». (٥)
* * *
وقد يقال : إنّ هذا المعنى لا ينسجم مع ذيل الآية (يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ) ، حيث يستدعي هذا التعبير أن يكون النظر في صدر الآية إلى أمر البخل والتقتير في الرزق. (٦)
غير أنّ ذكر الإنفاق كيف يشاء ـ في ذيل الآية ـ : جاء بيانا لأحد مصاديق بسط يده تعالى وشمول قدرته ، وليس ناظرا إلى الانحصار فيه. ولعلّ ذكر ذلك كان بسبب ما واجه المسلمين في إبّان أمرهم من الضيق وعدم التوفّر في تهيئة التجهيز الكافي والحصول على الإمكانات اللازمة ، فأخذت اليهود في الطعن عليهم بأنّ ذلك هو المقدّر لهم ، وليس بوسعه تعالى أن يفسح لهم المجال أو يوسع عليهم في المعاش.
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج ١ ، ص ٢٥٣ ـ ٢٥٤.
(٢) الرعد ١٣ : ٣٩.
(٣) الرحمن ٥٥ : ٢٩.
(٤) النحل ١٦ : ١٠١.
(٥) سفر التكوين ، الإصحاح ٢ / ١.
(٦) راجع : تفسير الميزان ، ج ٦ ، ص ٣١.