واختاره الجبّائى أيضا. (١)
وبهذا الشأن أيضا نزلت الآية (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ). (٢)
قال العلّامة الطباطبائي : النسخ في الآية يعمّ التبديل في التشريع وفي التكوين معا وذلك نظرا لعموم التعليل في ذيل الآية ، حيث علّل إمكان النسخ ـ وهو مطلق إزالة الشيء عمّا كان عليه وتبديله إلى غيره ـ بعموم القدرة أولا ، وبشمول ملكه للكائنات السماوية والأرضية جميعا.
قال : وذلك أنّ الإنكار المتوهّم في المقام أو الإنكار الواقع من اليهود ـ على ما نقل في شأن نزول الآية بالنسبة إلى معنى النسخ ـ يتعلّق من وجهين :
الأول : أنّ الكائن ـ سواء في التشريع أم في التكوين ـ إذا كان ذا مصلحة ، فزواله يوجب فوات المصلحة التي كان يحتويها.
الثاني : أنّ الإيجاد إذا تحقّق أصبح الموجود ضرورة لا يتغيّر عمّا وقع عليه. فهو قبل الوجود كان أمرا اختياريا ولكنّه بعد الوجود خرج عن الاختيار وأصبح ضرورة غير اختيارية.
قال : ومرجع ذلك إلى نفي إطلاق قدرته تعالى ، فلا تعمّ الكائن الحادث بعد حدوثه. وإنّما القدرة خاصّة بحال الحدوث ولا تشمل حالة البقاء. وهو كما قالت اليهود : (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ).
قال : وقد ألمح سبحانه وتعالى إلى الردّ على الوجه الأوّل بقوله : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). فلا موضع لتوهّم فوات المصلحة القديمة بعد إمكان التعويض عنها بمصلحة مثلها أو خير منها. وعن الوجه الثاني بقوله : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...) أي له التصرّف في ملكه حيثما يشاء ، وهو دالّ على عموم القدرة ، في بدء
__________________
(١) مجمع البيان ، ج ١ ، ص ١٩١.
(٢) البقرة ٢ : ١٠٦ و ١٠٧.