وأن يعلو قمم الجبال؟! وجبل «آرارات» يرتفع عن سطح البحر بأكثر من خمس كيلومترات ما يكاد أن يغمره ، فكيف بسائر الجبال الشامخة؟! (١)
الطوفان ظاهرة طبيعية حيث أرادها الله
نعم ، كان حادث الطوفان ظاهرة طبيعية وعلى ما وصفه القرآن ممّا لا يكاد الغمز فيه.
كان قد مرّ على حياة الأرض في أدوارها الأولى كثير من تغيّرات جوّية مفاجأة ، كان وجه الأرض مسرحا لتناوب هطول أمطار غزيرة وسيول هائلة منحدرة من أعالي الجبال كادت تغمّ الهضاب والوديان والمناطق المنخفضة من سطح الأرض. وكان طوفان نوح إحدى تلكم الظواهر الكونية حدثت بإذن الله (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً. فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ). (٢) فانحدرت سيول هائلة على سفوح الجبال وتفجّر ينابيع الأرض المشبعة بالأمطار ، وهكذا أحاط الماء الهائم بقوم نوح وسدّ عليهم طرق النجاة. وحتّى ابن نوح حاول اللجوء إلى أعالي المرتفعات لو لا أن جابهته سيول هائجة لتصرعه إلى حيث مهوى الهلاك ، بل وحتّى لم يجد فرصة التريّث فيما كان ينصحه أبوه ، وحال بينهما الموج فكان من المغرقين.
وفي تواريخ الامم ما يسجّل حدوث طوفانات هائلة جرفت بقسط من الحياة ، ولعلّه لتراكم الفساد والشرّ في تلكم البقاع. فمن قدماء الفرس : أنّ طوفانا هائلا غمّ أرض العراق إلى حدود كردستان. وهكذا روي عن قدماء اليونان. والهنود أثبتوا وقوع الطوفان سبع مرّات شمل شبه الجزيرة الهنديّة. ويروى تعدّد الطوفان عن اليابان والصين والبرازيل والمكسيك وغيرهم. ويروى عن الكلدانيين ـ وهم الذين وقع طوفان نوح في بلادهم ـ : أنّ المياه طغت على البلاد وجرفت بالحرث والنسل. فقد نقل عنهم «برهوشع» و
__________________
(١) راجع : ما كتبه الدكتور شجاع الدين شفا في كتابه «تولّدى ديگر» ، ص ٢٨٥ منتقدا قصّة الطوفان على ما وردت في الكتب الدينية.
(٢) القمر ٥٤ : ١١ و ١٢.