لِلْمُؤْمِنِينَ). (١) وفي موضع آخر : (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). (٢) و (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ). (٣) و (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ). (٤) يعني المؤمنين.
(فالمعنيّ بهذه الآيات وبهذه التعابير هم المؤمنون محضا ، وإنّما جاءت الأوصاف الخاصّة بهم عناوين مشيرة إلى ذاك المعنون بالذات ، من غير خصوصية لذات الأوصاف).
ومثله قوله تعالى في قصّة سبأ : (وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ). (٥) وهذا كما تقول : إنّ في ذلك لآية لكلّ موحّد مصلّ ، ولكلّ فاضل تقيّ ، وإنّما تريد المسلمين حقّا. (٦)
والخلاصة : أنّ هناك فرقا بين أخذ الأوصاف عناوين مشيرة إلى الموضوع الأصل فلا رابط بينها وبين الحكم المترتّب عليها في القضيّة ، وبين أخذها مواضيع هي علل وأسباب لثبوت تلك الأحكام المترتّبة. والآيات المنوّه عنها هي من قبيل النوع الأول ، لتكون الأوصاف خواصّ لازمة للموضوع من غير أن يكون لها دخل في موضوعية الموضوع ، الأمر الذي حقّقه علماء الاصول.
* * *
وقوله : (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ). (٧) فإنّما يريد بالكفّار هاهنا الزرّاع ، واحدهم كافر. وإنّما سمّي كافرا لأنّه إذا ألقى البذر في الأرض كفره ، أي غطّاه وستره ، وكلّ شيء غطّيته فقد كفرته. (٨) ومنه قيل : تكفّر فلان في السلاح : إذا تغطّى. ومنه قيل للّيل : كافر : لأنّه يستر بظلمته كلّ شيء. ومنه قول الشاعر (هو لبيد بن ربيعة) :
يعلو طريقة متنها متواترا |
|
في ليلة كفر النجوم غمامها (٩) |
__________________
(١) الحجر ١٥ : ٧٧.
(٢) النحل ١٦ : ٦٩.
(٣) النحل ١٦ : ٦٧.
(٤) الرعد ١٣ : ١٩.
(٥) سبأ ٣٤ : ١٩. وانظر : إبراهيم ١٤ : ٥ والشورى ٤٢ : ٣٣.
(٦) راجع : تأويل مشكل القرآن ، ص ٧٥.
(٧) الحديد ٥٧ : ٢٠.
(٨) وإنّما يقال للملحد «كافر» لأنه غطّى فطرته وستر نداء ذاته بالوحدانية.
(٩) أي يعلو طريقة متن هذه البقرة مطر متتابع في ليلة ظلماء على أثر تراكم السحب التي غطّت وجه النجوم. والطريقة : خطّة مخالفة للون البقرة. والمتنان : مكتنفا الظهر. وقد استشهد بهذا البيت الطبري في التفسير ، ج ١ ، ص ٨٦ ، وابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن ، ص ٧٦.