وقوما يسربلون هذا ، ويلبسون هذا تارة ، وهذا تارة. (١)
وأمّا قولهم : «كيف يكون في النار نبت وشجر والنار تأكلهما؟!» فإنّه لم يرد فيما يرى أهل النظر ـ والله أعلم ـ أنّ الضريع بعينه ينبت في النار ، ولا أنّهم يأكلونه. والضريع من أقوات الأنعام لا من أقوات الناس. وإذا وقعت فيه الإبل لم تشبع وهلكت هزلا. قال الهذلي ـ يذكر إبلا لم تشبع وهلكت هزلا ـ :
وحبسن في هزم الضريع فكلّها |
|
حدباء دامية اليدين حرود (٢) |
فأراد تعالى أنّ هؤلاء قوم يقتاتون ما لا يشبعهم وضرب الضريع مثلا. أو يعذّبون بالجوع كما يعذّب من قوته الضريع.
وقد يكون الضريع وشجرة الزقّوم نبتين من النار ، أو من جوهر لا تأكله النار. وكذلك سلاسل النار وأغلالها وأنكالها وعقاربها وحيّاتها ، لو كانت كما نعلم لم تبق على النار. وإنّما دلّنا الله سبحانه على الغائب عنده بالحاضر عندنا. فالأسماء متّفقة للدلالة ، والمعاني مختلفة.
وما في الجنّة من شجرها وثمرها وفرشها وجميع آلاتها على مثل ذلك.
* * *
وقولهم : وأين قوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ) من قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)؟ (٣) أيّ رابطة بين الصبور الشكور وجريان الفلك في البحور؟
لكن لم يرد الله في هذا الموضع معنى الصبر والشكر خاصّة ، وإنّما أراد : إنّ في ذلك لآيات لكلّ مؤمن ، والصبر والشكر أفضل ما في المؤمن من خلال الخير ، فذكره الله عزوجل في هذا الموضع بأفضل صفاته. وقال في موضع آخر : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً
__________________
(١) هذا بناء على مذهبه في حجّية مختلف القراءات استنادا إلى حديث الأحرف السبع.
(٢) وفي اللسان : «حدباء بادية الضلوع حرود». هزم الضريع : ما تكسّر منه. والحرود : التي لا تكاد تدرّ لبنا. وفي مقاييس اللغة مادة «ضرع» : «وتركن في هزم الضريع ....».
(٣) لقمان ٣١ : ٣١.