وفي ذلك نوع من الاعتراف بحقيقته إجماليا. وربّما علّلوه بتعاليل تبدو طبيعية ترجع إلى نفس العائن. قالوا : هي تشعشعات تموّجية تنبعث من عين الرائي الذي أعجبه شيء على أثر انفعاله النفسي الخاصّ والأكثر إذا كان عن حسد خبيث ، وربما من غير شعور بهذا الانفعال النفسي المفاجئ في غالب الناس. وهي خاصّية غريبة قد توجد شديدة في البعض وخفيفة في الآخرين.
وهذه التشعشعات السامّة تشبه التيّارات الكهربائية تؤثّر في المتكهرب بها تأثيرا بالفعل ، الأمر الذي يكون طبيعيا وليس شيئا خارقا ، وإن كان لم يعلم كنهها ولا عرفت حدودها ومشخّصاتها ولا إمكان مقابلتها مقابلة علمية فيما سوى الدعاء والصدقة والتوكّل على الله تعالى.
قال الشيخ ابن سينا : إنّ لبعض النفوس تأثيرا في الخارج من بدنه بتعلّق روحاني كتعلّقه ببدنه. (١)
وقال أبو عثمان الجاحظ : لا ينكر أن ينفصل من العين الصائبة إلى الشيء المستحسن أجزاء لطيفة متّصلة به وتؤثّر فيه ، فيكون هذا المعنى خاصّية في بعض الأعين كالخواصّ للأشياء. (٢)
قال ـ في كتاب الحيوان بصدد التحرّز من أعين ذوي الشره والحرص ونفوسهم ـ : كان علماء الفرس والهند وأطبّاء اليونان ودهاة العرب وأهل التجربة من نازلة الأمصار وحذّاق المتكلّمين يكرهون الأكل بين يدي السباع ، يخافون نفوسها وعيونها ، للّذي فيها من الشره والحرص والطلب والكلب ، لما يتحلّل عند ذلك من أجوافها من البخار الرديء ، وينفصل من عيونها من الامور المفسدة ، ما إذا خالطت طبائع الإنسان نقضته. ولذلك كانوا يكرهون قيام الخدم بالمذاب (مطردة الذباب) والأشربة على رءوسهم وهم يأكلون ، مخافة النفس والعين. وكانوا يأمرون بإشباعهم قبل أن يأكلوا ، وكانوا يقولون في السنّور
__________________
(١) في النمط الأخير من كتاب الإشارات (هامش مجمع البيان ، ج ٥ ، ص ٢٤٩).
(٢) مجمع البيان ، ج ٥ ، ص ٢٤٩ ، تفسير سورة يوسف. ولعلّه أخذه من الشريف الرضي في كتابه المجازات النبوية ، ص ٣٦٩ ، بتغيير يسير سوف ننقله.