إنّما تكون عند الإعجاب بشيء لا عند التنفّر والانزجار. والآية تصرّح بأنّهم كادوا يزلقونه لمّا سمعوا الذكر ، ماقتين عليه نافرين منه. فجعلوا يسلقونه بالسباب والشتم ويرمونه بالجنون. فكيف والحال هذه يحسدونه فيصيبونه بأعينهم؟! الأمر الذي لا يلتئم وسياق الآية الكريمة.
قال الزجّاج : معنى الآية ، أنّهم ينظرون إليك عند تلاوة القرآن والدعاء إلى التوحيد نظر عداوة وبغض وإنكار لما يسمعونه وتعجّب منه ، فيكادون يصرعونك بحدّة نظرهم ويزيلونك عن موضعك. وهذا مستعمل في الكلام ، يقولون : نظر إليّ فلان نظرا يكاد يصرعني ونظرا يكاد يأكلني فيه. وتأويله كلّه أنّه نظر إليّ نظرا لو أمكنه معه أكلي أو يصرعنى لفعل. (١)
وهكذا قال الجبائي : إنّ القوم ما كانوا ينظرون إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله نظر استحسان وإعجاب بل نظر مقت ونقص. (٢)
وهكذا قوله : (وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ)(٣) ـ في سورة الفلق ـ أي إذا حاول السعي وراء حسده لغرض إيقاع الأذى والضرر بالمحسود. أي استعذ بالله من شرّ الحاسد إذا حاول إنفاذ حسده ، بالسعي والجدّ في إزالة نعمة من يحسده ، فهو يعمل الحيل وينصب شبائكه لإيقاع المحسود في الضرر والخسران ، وربّما بأدقّ الوسائل والذرائع ، وليس في الاستطاعة الوقوف على ما يدبّره من مكايد إلّا أن يستعان عليه بربّ الفلق أي مسبّب الفرج والخلاص من كيد الكائدين ، والإحباط من مساعيهم الخبيثة. (٤)
نظرة فاحصة عن إصابة العين
أمّا الجهة الاخرى ـ وهو البحث عن إصابة العين ومدى تأثيرها السيّئ في النفوس والأموال ـ فقد شاع الإشفاق منها في أوساط بدائية وربما في أوساط متحضّرة أيضا ،
__________________
(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٤١.
(٢) بحار الأنوار ، ج ٦٠ ، ص ٣٩.
(٣) الفلق ١١٣ : ٥.
(٤) راجع : تفسير المراغى ، ج ٣٠ ، ص ٢٦٨ ـ ٢٦٩ ؛ وتفسير جزء عمّ للشيخ محمد عبده ، جزء عمّ ، ص ١٨٣ ـ ١٨٤.