من أصحاب التمائم والزمازم يؤثّرون بقوّة إرادتهم في وهم ضعفاء النفوس فيخيّلون إليهم صورا وأشكالا حسبما يشاءون ، والغالب أنّ أمثال هؤلاء المدّعين للسحر وتقليب الحقائق هم اناس مفاليس يستدرّون أموال ذوي العقول السذّج لأجل تأمين معيشتهم الحقيرة ، وهو أحد طرق الاستجداء ، فلو كانوا أصحاب قدر خارقة لعالجوا لأنفسهم ما يسدّ حاجتهم عن الاستجداء لا العيش على فضلة الآخرين وعلى طريقة التدليس والتزوير ، الأمر الذي يكون من أردأ أنحاء المعيشة في الحياة! إنّهم لا يملكون سدّ رمقهم فكيف بالتسخير للأرواح المدبّرات!
يقول ابن خلدون ـ الذي حفل بهذه المزعومة في حفاوة وتفصيل ـ : إنّ التأثير الذي لهم إنّما هو فيما سوى الإنسان الحرّ من المتاع والحيوان والرقيق. ويعبّرون عن ذلك بقولهم : إنّما نفعل فيما تمشي فيه الدراهم ، أي ما يملك ويباع ويشترى ... قال : ومن هؤلاء من يسمّى بالبعّاجين ، يشيرون إلى بطن الغنم فتنبعج. لأنّ أكثر ما ينتحل من السحر بعج الأنعام يرهبون بذلك أهلها ليعطوهم من فضلها وهم مستترون بذلك في الغاية خوفا على أنفسهم من الحكّام. (١)
مساكين! لا يمكنهم الدفاع عن أنفسهم فكيف القدرة على قهر الطبيعة وقلبها؟!
والعجب من الاستاذ وجدي أصاخ بكلّ مسامعه واستسلم لما سطّره ابن خلدون من قدرة الساحر على تسخير الكائنات وسلطته على الأفلاك ـ وحسبها ذوات أنفس وأجرام ـ (٢) والكواكب ـ حسبوها ذوات عقول ومدبّرات لما يجري على الأرض ـ والجنّ والقوى الروحانية ، فسخّروها جمع للتأثير على قلب عناصر المادّة والتصرّف في العالم العلوي والعالم السفلي جميعا. يا لها من مخرقة وإن شئت فسمّها مهزلة!! وهناك حكايات وروايات أكثرها تنمّ عن قوّة التخييل أو هي أكاذيب وأباطيل. وأمّا أصحاب التمائم
__________________
(١) مقدمة ابن خلدون ، ص ٥٠٠ ـ ٥٠١.
(٢) وهي دوائر وهمية يرسمها العقل لكلّ نقطة دائرة ترسيما في فرض لا في واقع الأمر. نعم ذهب جمع من الأقدمين إلى فرض الأفلاك أجراما شاعرة ذوات عقول ونفوس. ولها شأن في تدبير العوالم السفلى تدبيرا عن علم وإرادة ، ومن ثمّ جاز تسخيرها في جهة مقاصد السوء!!