المتخيّلة ، يعمد صاحب هذا التأثير إلى القوى المتخيّلة فيتصرّف فيها بنوع من التصرّف ويلقي فيها أنواعا من الخيالات والمحاكاة وصورا ممّا يقصده من ذلك ، ثمّ ينزلها إلى الحسّ من الرائين بقوّة نفسه المؤثّرة فيه ، فينظر الراءون كأنّها في الخارج وليس هناك شيء من ذلك كما يحكى عن بعضهم أنّه يري البساتين والأنهار والقصور ، وليس هناك شيء من ذلك. ويسمّى هذا عند الفلاسفة الشعوذة أو الشعبذة.
قال : ثمّ هذه الخاصّية تكون في الساحر بالقوّة شأن القوى البشرية كلّها ، وإنّما تخرج من القوّة إلى الفعل بالرياضة ، ورياضة السحر كلّها إنّما تكون بالتوجّه إلى الأفلاك والكواكب والعوالم العلويّة والشياطين ، بأنواع التعظيم والعبادة والخضوع والتذلّل ، فهي لذلك وجهة إلى غير الله وسجود لغير الله ، والوجهة إلى غير الله كفر ، فلهذا كان السحر كفرا والكفر من موادّه وأسبابه.
قال : واعلم أنّ وجود السحر لا مرية فيه بين العقلاء من أجل التأثير الذي ذكرناه ، وقد نطق به القرآن ، قال الله تعالى : (وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ). (١) وسحر رسول الله صلىاللهعليهوآله حتّى كان يخيّل إليه أنّه يفعل الشيء ولا يفعله. وجعل سحره في مشط ومشاقة وجفّ طلعة ، ودفن في بئر ذروان. فأنزل الله عليه (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ). (٢) قالت عائشة : كان لا يقرأ على عقدة من تلك العقد التي سحر فيها إلّا انحلّت.
قال : ورأينا بالعيان من يصوّر صورة الشخص المسحور بخواصّ أشياء مقابلة لما نواه وحاوله ، موجودة بالمسحور ، وأمثال تلك المعاني من أسماء وصفات في التأليف والتفريق ، ثمّ يتكلّم على تلك الصورة التي أقامها مقام الشخص المسحور عينا أو معنى ، ثمّ ينفث من ريقه بعد اجتماعه في فيه بتكرير مخارج تلك الحروف من الكلام السوء ويعقد ذلك المعنى في سبب أعدّه لذلك تفاؤلا بالعقد واللزام واخذ العهد على من أشرك به
__________________
(١) البقرة ٢ : ١٠٢.
(٢) الفلق ١١٣ : ٤.