وقال المجلسي العظيم ـ في كلام له عن السحر ناظر إلى ما ننقله عن ابن خلدون ـ : وأمّا ما يذكر من بلاد الترك أنّهم يعملون ما يحدث به السحب والأمطار فتأثير أعمال هؤلاء الكفرة في الآثار العلوية وما به نظام العالم ممّا تأبى عنه العقول السليمة والأفهام القويمة. ولم يثبت عندنا بخبر من يوثق بقوله. (١)
والعجب من بعض الكتّاب العصريّين جنح إلى ترجيح الرأي القائل بحقيقة السحر وأنّ له واقعا يؤثّر في قلب الواقعية حقيقة ، واقتفى في ذلك بعض أقوال القدماء فيما نقلوه من حكايات هي أشبه بالخرافات منها بالواقعيات.
هذا الاستاذ محمّد فريد وجدي ينقل أوّلا عن مقدّمة ابن خلدون اعترافه بحقيقة السحر ، ثم يعقّبه باستنكار الغربيّين ويحمل عليهم بأنّهم قاصرو النظر في إطار من المادّيات ويجعلون العالم كلّه في دائرة أضيق من سمّ الخياط. وأخيرا يرجّح أنّ له حقيقة ويذكر له شاهدا في قصّة خيالية. وإليك بعض كلامه ونقوله عن ابن خلدون وغيره :
قال ابن خلدون في مقدّمته : السحر ، علم بكيفية الاستعدادات تقتدر النفوس البشرية به على التأثيرات في عالم العناصر إمّا بغير معين أو بمعين من الأمور السماوية. والأوّل هو السّحر ، والثاني هو الطّلسمات. قال : ولنقدّم هنا مقدّمة يتبيّن بها حقيقة السحر ، وذلك أنّ النفوس البشرية وإن كانت واحدة بالنوع فهي مختلفة بالخواصّ. فنفوس الأنبياء لها خاصّية تستعدّ بها للمعرفة الربّانية ومخاطبة الملائكة. وما يتّسع في ذلك من التأثير في الأكوان واستجلاب روحانية الكواكب للتصرّف فيها والتأثير بقوّة نفسانية أو شيطانية. فأمّا تأثير الأنبياء فمدد إلهى وخاصّية ربّانية ، ونفوس الكهنة لها خاصّية الاطّلاع على المغيّبات بقوى شيطانية ، وهكذا كلّ صنف مختصّ بخاصّية لا توجد في الآخر. والنفوس الساحرة على مراتب ثلاث ، فأوّلها المؤثّرة بالهمّة فقط من غير آلة ولا معين ، وهذا هو الذي يسمّيه الفلاسفة السحر. والثاني بمعين من مزاج الأفلاك أو العناصر أو خواصّ الأعداد ، ويسمّونه الطّلسمات ، وهو أضعف رتبة من الأوّل. والثالث تأثير في القوى
__________________
(١) بحار الأنوار ، ج ٦٠ ، ص ٤١ ـ ٤٢.