خيّل إلى الناس أنّها تسعى. وهذه هي طبيعة السحر كما ينبغي لنا أن نسلّم بها ، وهو بهذه الطبيعية يؤثّر في الناس وينشئ لهم مشاعر وفق إيحائه ، مشاعر تخيفهم وتؤذيهم وتوجّههم الوجهة التي يريدها الساحر ، وهو شرّ يستعاذ منه بالله ويلجأ منه إلى حماه. (١) وقد أعرب شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي قدسسره عن معتقد أهل الحقّ في السحر وأن لا حقيقة له ، قال : ذكروا للسحر معاني أربعة :
أحدها : أنّه خدع ومخاريق وتمويهات لا حقيقة لها ، يخيّل إلى المسحور أنّ لها حقيقة.
الثاني : أنّه أخذ بالعين على وجه الحيلة.
الثالث : أنّه قلب الحيوان من صورة إلى اخرى ، وإنشاء الأجسام على وجه الاختراع ، فيمكن الساحر أن يقلب الإنسان حمارا وينشئ أجساما.
الرابع : أنّه ضرب من خدمة الجنّ.
قال : وأقرب الأقوال هو الأوّل ، لأنّ كلّ شيء خرج عن مجرى العادة فإنّه سحر [في مزعومهم] لا يجوز أن يتأتّى من الساحر ، ومن جوّز شيئا من هذا فقد كفر. لأنّه لا يمكن مع ذلك ، العلم بصحّة المعجزات الدالّة على النبوّات ، لأنّه أجاز مثله على جهة الحيلة والسحر. (٢)
وهكذا ذهب إلى إنكاره في كتاب الخلاف. (٣)
وقال الطبرسي : السحر والكهانة والحيلة نظائر. ومن السحر ، الأخذة التي تأخذ العين حتّى يظنّ أنّ الأمر كما ترى وليس الأمر كما ترى. والجمع ، الاخذ. فالسحر عمل خفيّ لخفاء سببه ، يصوّر الشيء بخلاف صورته ويقلبه عن جنسه في الظاهر ولا يقلبه عن جنسه في الحقيقة ، ألا ترى إلى قوله سبحانه وتعالى : (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى)؟ (٤)
__________________
(١) في ظلال القرآن ، المجلّد ٨ ، ص ٧٠٩ ، ج ٣٠ ، ص ٢٩١.
(٢) تفسير التبيان ، ج ١ ، ص ٣٧٤.
(٣) نقل عن أبي جعفر الأسترآبادي أنّه لا حقيقة له وإنّما هو تخييل وشعبذة ، وبه قال المغربي من أهل الظاهر. ثم قال : وهو الذي يقوى في نفسي. راجع : الخلاف ، ج ٢ ، ص ٤٢٢ ، مسألة ١٤ ، من كتاب كفّارة القتل.
(٤) مجمع البيان ، ج ١ ، ص ١٧٠.