قال الرازي : أما المعتزلة فقد أنكروا السحر فيما عدا التمويه والشعوذة ، ولعلّهم كفّروا معتقد تأثير الكواكب وتسخيرها أو تسخير الجنّ وما شاكل ممّا ينافي التوحيد في الربوبية أو يخالف حكمته تعالى في الخلق والتدبير.
قال : وأمّا أهل السنّة فقد جوّزوا ذلك ، بأن يطير إنسان في الهواء بلا سبب طبيعي أو يحوّل إنسانا إلى حمار أو حمارا إلى إنسان ، الأمر الذي لا يتنافى وربوبيّته تعالى حيث جرت سنّته على إقدار الساحر في تأثير سحره عند ما يقرأ رقى أو يزمزم وردا. (١) واستندوا في ذلك إلى روايات واهية تزعم أنّ اليهود سحرت النبيّ صلىاللهعليهوآله فكان يتخيّل أنّه فعل شيئا ولم يفعله ، وما إلى ذلك من أكاذيب فاضحة ، زيّفناها مسبقا.
وأفظع من الكلّ تعاليق ابن المنير الإسكندري على الكشّاف بهذا الشأن ، منها قوله ـ عند كلام الزمخشري (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ) أي أروها بالحيل والشعوذة وخيّلوا إليها ما الحقيقة بخلافه ـ : هذا الإنكار معتقد المعتزلة ، ومعتقد أهل السنّة الإقرار بوجود السحر ، ولا يمنع عند أهل السنّة أن يرقى الساحر في الهواء ويستدقّ فيتولّج في الكوّة الضيّقة. ولا يمنع أن يفعل الله عند إرشاد الساحر ما يستأثر الاقتدار عليه. وذلك واقع بقدرة الله عند إرشاد الساحر. هذا هو الحقّ والمعتقد الصدق. قال : وإنّما أجريت هذا الفصل لأنّ كلام الزمخشري لا يخلو من رمز إلى إنكاره ، إلّا أنّ هذا النصّ القاطع بوقوعه يلجمه عن التصريح بالدفاع وكشف القناع ، ولا يدعه التصميم على اعتقاد المعتزلة من التنفيس عمّا في نفسه ، فيسمّيه شعوذة وحيلة. وبالقطع يعلم أنّ الشعوذة لا تعمل في يد ابن عمر حتّى بكوعها ولا تؤثّر في سيّد البشر حتّى يخيّل إليه أنّه يأتي نساءه وهو لا يأتيهنّ. وقد ورد ذلك وأمثاله مستفيضا واقعا. والعمدة أنّ كلّ واقع فبقدرة الله تعالى. (٢)
وهذا الذي ذكره ابن المنير ونسبه إلى أهل السنّة إنّما هو مذهب الأشعري البائد ، أمّا علماء أهل السنّة اليوم فقد واكبوا إخوانهم من أهل التحقيق في النظر ، ولم يعيروا لما يذكره أهل السفاسف اهتماما ولم يعتبروا من مزاعمهم في السحر وزنا سوى تمويه مجرّد
__________________
(١) المصدر : ص ٢١٣.
(٢) هامش الكشّاف ، ج ٢ ، ص ١٤٠.