قال الزمخشري : (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ) أروها بالحيل والشعوذة وخيّلوا إليها ما الحقيقة بخلافه. (١)
إذن ، فلم يثبت من هذه الآية اعتراف للقرآن بحقيقة السحر سوى الشعوذة والتوسّل بالحيل للتمويه على أعين النّاس ، هذا فحسب. وهناك آيات اخر استندوا إليها لهذا الاعتراف المزعوم ، كالآيات الواردة بشأن سحرة بابل في سورة البقرة. وكذا سورة الفلق (النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ). وسنتكلّم عن ذلك أيضا بعد الكلام عن أقسام السحر ورأي علماء المسلمين فيه. وسيبدو بعون الله تعالى أنّ تلكم الآيات أيضا بعيدة كلّ البعد عمّا رامه الزاعمون وأن ليس في القرآن ما يشي باعترافه بحقيقة السحر بتاتا.
أقسام السحر
السحر بحسب اللغة : ما لطف ودقّ مأخذه في التأثير ، ومن ثمّ فإنّ من البيان لسحرا. وقسّمه الإمام الرازي بحسب المصطلح إلى أنواع ثمانية :
النوع الأوّل : الاستعانة بالكواكب ، زعما أنّها هي المدبّرة لهذا العالم. نسب ذلك إلى الكلدانيّين كانوا يعبدون الكواكب ، فكانوا يستعينون بها على سدّ مآربهم والقضاء على مناوئيهم.
وأهل العدل والتنزيه من متكلّمي المسلمين (الإماميّة والمعتزلة) أنكروا صحّة ذلك ، بل جواز الاعتقاد به قد يؤدّي إلى الشرك بالله العظيم. وقامت الأشاعرة بوجههم فأجازوه باعتبارها أسبابا وعللا طبيعية كانت تحت إرادته تعالى.
النوع الثاني : سحر أصحاب الأوهام والنفوس القوية ، فهناك لأرباب النفوس القوية تأثير كبير في إلقاءاتهم على ذوي النفوس الضعيفة. والنفس إذا تأثّرت بما القي إليها توهّمته قطعيّا وانفعلت به وانجذبت إليه انجذابا. الأمر الذي قام به أكثر أصحاب المقدرات القوية فسخّرت زرافات من ذوي الأنفس الضعيفة السريعة الانخداع.
__________________
(١) الكشّاف ، ج ٢ ، ص ١٤٠.