فلمّا أثّر تسخين الشمس فيها تحرّكت والتوى بعضها على بعض وكانت كثيرة جدّا ، فالناس تخيّلوا أنّها تتحرّك باختيارها وقدرتها. (١)
قال الإمام الجصّاص : ومتى اطلق السحر فهو اسم لكلّ أمر مموّه باطل لا حقيقة له ولا ثبات. قال الله تعالى : (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ) يعني موّهوا عليهم حتّى ظنّوا أنّ حبالهم وعصيّهم تسعى. وقال : (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى) فأخبر أنّ ما ظنّوه سعيا منها لم يكن سعيا وإنّما كان تخييلا. وقد قيل : إنّها كانت عصيّا مجوّفة قد ملئت زئبقا وكذلك الحبال كانت معمولة من أدم (٢) محشوّة زئبقا وقد حفروا قبل ذلك تحت المواضع أسرابا وجعلوا آزاجا (٣) وملئوها نارا. فلمّا طرحت عليه وحمي الزئبق حرّكها ، لأنّ من شأن الزئبق إذا أصابته [حرارة] النار أنّ يطير. فأخبر الله أنّ ذلك كان مموّها على غير حقيقة. والعرب تقول لضرب من الحليّ مسحور ، أي مموّه على من رآه مسحور به عينه. (٤)
وهكذا ذهب الإمام محمّد عبده في تفسيره قال ـ بعد نقل كلام الجصّاص ـ : فعلى هذا يكون سحرهم لأعين الناس عبارة عن هذه الحيلة الصناعية ، إذا صحّ الخبر. ويحتمل أن يكون بحيلة اخرى كإطلاق أبخرة أثّرت في الأعين فجعلتها تبصر ذلك. أو بجعل العصيّ والحبال على صورة الحيّات وتحريكها. بمحرّكات خفيّة سريعة لا تدركها أبصار الناظرين. وكانت هذه الأعمال من الصناعات وتسمّى السيمياء (٥) وهي لغة يونانية تعني الشعوذة والنيرنج. (٦) هي عبارة عن مزاولة أعمال خفيّة سريعة تتراءى للناظرين أشكالا على غير واقعها ، وربّما باستعمال موادّ كيمياوية تخفى على الناظرين. (٧) وهو متعارف حتّى اليوم لغاية إلهاء الناس في مجالس اللهو والسرور ومناسبات الأعياد والأفراح.
__________________
(١) التفسير الكبير ، ج ١٤ ، ص ٢٠٣.
(٢) جمع أديم وهي الجلدة المدبوغة.
(٣) جمع أزج وهو البيت يبنى طولا يشبه الاتن : مواقد نار الحمّام.
(٤) أحكام القرآن للجصّاص ، ج ١ ، ص ٤٢ ـ ٤٣.
(٥) تفسير المنار ، ج ٩ ، ص ٦٧.
(٦) معرّب نيرنگ. الشعوذة معرّب شعبدة ، كلاهما بمعنى ، وهو نوع من الحيل الخفيّة فيها مهارة وسرعة عمل تخطف من أبصار الناظرين وتؤثّر في تخيّلهم.
(٧) قال العلامة الطباطبائى : وهو (السيميا) العلم الباحث عن تمزيج القوى الإرادية مع القوى الخاصّة المادّية للحصول على غرائب التصرف في الأمور الطبيعية. ومنه التّصرف في الخيال المسمّى بسحر العيون ، وهذا الفنّ من أصدق مصاديق السحر. الميزان ، ج ١ ، ص ٢٤٦.