تلك التحرّكات ، وظنّ أنّها تسعى. (١)
وذلك أنّهم أخذوا مصارين أو آدم مصنوعة على صور الحيّات والأفاعي ، وجعلوا في أجوافها زآبق وتركوها بصورة العصيّ والحبال في ساحة بعيدة عن متناول الناس ومشاهدتهم القريبة. وكانت الساحة قد حفرت تحتها أسراب وأشعلوا فيها نارا فأثّرت حرارتها من تحت وحرارة الشمس من فوق ، فجعلت الزآبق تتمدّد وتتقلّص ، وتراءى للنّاس أنّها تسعى. ومن ثمّ قال تعالى : (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ). (٢) وما هي إلّا شعوذة لا واقع لها سوى تخييل ظاهريّ مجرّد.
قال الطبرسى : احتالوا في تحريك العصيّ والحبال بما جعلوا فيها من الزئبق حتّى تحرّكت بحرارة الشمس وغير ذلك من الحيل وأنواع التمويه والتلبيس ، فخيّل إلى الناس أنّها تتحرّك على ما تتحرّك الحيّة. وإنّما سحروا أعين الناس ، لأنّهم أروهم شيئا لم يعرفوا حقيقته وخفي ذلك عليهم لبعده منهم ، فإنّهم لم يدعوا مجالا للناس كي يدخلوا فيما بينهم [خوف فضح أمرهم].
قال : وفي هذا دلالة على أنّ السحر لا حقيقة له ، لأنّها لو صارت حيّات حقيقة لم يقل الله سبحانه : (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ) بل كان يقول : فلمّا ألقوا صارت حيّات. وقد قال سبحانه أيضا : (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى). (٣)
وامّا وصف سحرهم بالعظمة ، فلأجل استعظام الناس ذلك المشهد الرهيب.
يقول الرازي في ذيل هذه الآية : واحتجّ به القائلون بأنّ السحر محض التمويه. قال القاضي : لو كان السحر حقّا لكانوا قد سحروا قلوبهم لا أعينهم ، فثبت أنّ المراد أنّهم تخيّلوا أحوالا عجيبة مع أنّ الأمر في الحقيقة ما كان على وفق ما تخيّلوه. قال الواحدي : بل المراد ، سحروا أعين الناس أي قلبوها عن صحّة إدراكها بسبب تلك التمويهات. وقيل : إنّهم أتوا بالحبال والعصيّ ولطّخوا تلك الحبال بالزئبق وجعلوا الزئبق في دواخل العصيّ ،
__________________
(١) مجمع البيان ، ج ٧ ، ص ١٨.
(٢) الأعراف ٧ : ١١٦.
(٣) مجمع البيان ، ج ٤ ، ص ٤٦١.