بل ورفع من مكانتهم حتى أجاز الائتمام بهم في الصلاة ـ وهي أفضل عبادات الإسلام ـ. جاء في «قرب الإسناد» للحميري عن الإمام الصادق عن آبائه عن علي عليهمالسلام قال : «لا بأس بأن يؤمّ المملوك إذا كان قارئا». (١)
وليكون ذلك دليلا على صلاحيّتهم لتصدّي جميع المناصب الرسميّة وغير الرسمية في النظام الإسلامي وأن لا فرق بينهم وبين الأحرار في ذات الأمر. وهذا من المساواة في أفخم وأضخم شكلها المعقول. ولذلك نرى الرسول صلىاللهعليهوآله قد أمر زيدا مولاه على رأس جيش فيه كبار الأنصار والمهاجرين. فلمّا قتل زيد ولى ابنه اسامة قيادة الجيش وفيهم أبو بكر وعمر فلم يعط الرقيق بذلك مجرّد المساواة الإنسانيّة ، بل أعطاه حقّ القيادة والرئاسة على الأحرار. فأعطى العبيد بذلك الحق في أرفع مناصب الدولة كلّها.
وقد وصل الإسلام في حسن المعاملة وردّ الاعتبار الإنساني للرقيق إلى درجة عجيبة ، حتى ولقد آخى الرسول صلىاللهعليهوآله بين بعض العبيد وبعض أكابر الأصحاب من سادة العرب ، فآخى بين بلال بن رباح وأبي رويحة الخثعمي ، وبين مولاه زيد وعمّه حمزة ، (٢) وكانت هذه المؤاخاة صلة حقيقيّة تعدل رابطة الدم والنسب.
كما وزوّج بنت عمته زينب بنت جحش من مولاه زيد. والزواج مسألة حسّاسة جدّا وخاصّة من جانب المرأة ، فهي تأبى أن يكون زوجها دونها في الحسب والنسب والثراء ، وتحسّ أنّ هذا يحطّ من شأنها ويغضّ من كبريائها. ولكن الرسول كان يهدف إلى
__________________
ـ اذهب ، فأنت حرّ لوجه الله. قال أبو بصير : فقلت له : جعلت فداك ، كان العتق كفّارة الضرب؟ فسكت! البحار ، ج ٧١ ، ص ١٤٢ ، رقم ١٢. وكان رجل من بني فهد يضرب عبدا له وهو يستعيذ بالله ولم يقلع عنه حتى إذا أبصر رسول الله صلىاللهعليهوآله استعاذ به فأقلع عنه. فقال له النبي : يتعوّذ بالله فلا تعيذه ، ويتعوّذ بمحمد فتعيذه!؟ والله أحقّ أن يجار عائذه من محمّد! فقال الرجل : هو حرّ لوجه الله. فقال النبي صلىاللهعليهوآله : والذي بعثني بالحقّ نبيّا لو لم تعتقه لسفعت وجهك حرّ النار. بحار الأنوار ، ج ٧١ ، ص ١٤٣ ، رقم ١٥ ؛ وإحياء علوم الدين ، ج ٢ ، ص ٢٢٠). وقال الزهري : متى قلت لمملوكك : أخزاك الله ، فهو حرّ. المصدر : ج ٢ ، ص ٢٢٠. والآثار من هذا القبيل كثير.
(١) بحار الأنوار ، ج ٨٥ ، ص ٤٣ ، نقلا عن قرب الإسناد ، ص ٩٥ ، ط نجف. وللمجلسي هنا (ص ٤٥) بيان واف.
(٢) راجع : السيرة لابن هشام ، ج ٢ ، ص ١٥١ ـ ١٥٣.