وروى أنّ علي بن الحسين عليهالسلام ضرب مملوكا ثمّ دخل إلى منزله فأخرج السوط ، ثمّ تجرّد له ، قال : اجلد علي بن الحسين فأبى ، فأعطاه خمسين دينارا. (١)
وبذلك قد أصبح الرقيق كائنا إنسانيّا له كرامة يحميها القانون ، ولا يجوز الاعتداء عليها بالقول ولا بالفعل. فأمّا القول فقد نهى الرسول ، السّادة عن تذكير أرقّائهم بأنّهم أرقّاء وأمرهم أن يخاطبوهم بما يشعرهم بمودّة الأهل ، وينفي عنهم صفة العبوديّة ، وقال لهم في معرض هذا التوجيه : «إنّ الله ملّككم إيّاهم ، ولو شاء لملّكهم إيّاكم». (٢) فهي إذن مجرّد ملابسات عارضة جعلت هؤلاء رقيقا ، وكان من الممكن أن يكونوا سادة لمن هم اليوم سادة! وبذلك يغضّ من كبرياء هؤلاء ، ويردّهم إلى الآصرة البشريّة التي تربطهم جميعا ، والمودّة التي ينبغي أن تسود علاقات بعضهم ببعض.
وأمّا الاعتداء الجسدي فعقوبته الصريحة هي المعاملة بالمثل ، «من افترى على مملوك عزّر ..» و «من جدع عبده جدعناه ...». وهو مبدأ صريح الدلالة على المساواة الإنسانيّة الكاملة بين الرقيق والسّادة ، وصريح في بيان الضمانات التي يحيط بها حياة هذه الطائفة من البشر ـ التي لا يخرجها وضعها العارض عن صفتها البشريّة الأصيلة ـ وهي ضمانات كاملة ووافية. تبلغ حدّا عجيبا لم يصل إليه قطّ تشريع آخر من تشريعات الرقيق في التاريخ كلّه ، لا قبل الإسلام ولا بعده ، إذ جعل مجرّد ضرب العبد ـ في غير التأديب ـ (٣) مبرّرا قانونيّا لتحرير الرقيق!! (٤)
__________________
(١) بحار الأنوار ، ج ٧١ ، ص ١٤٣ ، رقم ١٦.
(٢) ذكره أبو حامد الغزالي في كتاب «إحياء علوم الدين» (ج ٢ ، ص ٢١٩) في الكلام عن حقوق المملوك. وراجع : المحجّة البيضاء للفيض الكاشاني ، ج ٣ ، ص ٤٤٤.
(٣) وللتأديب حدود مرسومة لا يتعدّاها ، ولا يتجاوز على أيّ حال ما يؤدّب السيّد أبناءه. قال زرارة بن أعين : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : أصلحك الله ، ما ترى في ضرب المملوك؟ قال : ما أتى فيه على يديه ـ أي من غير تقصير ـ فلا شيء عليه. وأمّا ما عصاك فيه فلا بأس. فقلت : كم أضربه؟ قال : ثلاثة ، أربعة ، خمسة. رواه البرقي في المحاسن ، ج ٢ ، ص ٤٦٥ ، باب ١١ ، رقم ٢٦١٣ / ٨٦ ؛ والبحار ، ج ٧١ ، ص ١٤١ ، رقم ١٠.
(٤) قال أبو جعفر الباقر عليهالسلام : إنّ أبي (علي بن الحسين عليهالسلام) ضرب غلاما له قرعة واحدة بسوط وكان بعثه في حاجة فأبطأ عليه ، فبكى الغلام وقال : الله يا علي بن الحسين ، تبعثني في حاجتك ثمّ تضربني؟ قال : فبكى أبي وقال [لي] : يا بنيّ ، اذهب إلى قبر رسول الله صلىاللهعليهوآله فصلّ ركعتين ثمّ قل : اللهم اغفر لعليّ بن الحسين خطيئته يوم الدين. ثمّ قال للغلام : ـ