معنى أسمى من كل ذلك ، وهو رفع الرقيق من الوهدة التي دفعته إليها البشريّة الظالمة ، إلى حيث مستوى أعظم سادة العرب من قريش.
* * *
كلّ ذلك هي خطرات واسعة لتحرير الرقيق روحيّا ، بردّه إلى الإنسانيّة ، ومعاملته على أنّه بشر كريم ، لا يفترق عن السادة من حيث الأصل ، وإنّما هي ظروف عارضة حدّت من الحريّة الخارجية للرقيق في التعامل المباشر مع المجتمع ، وفيما عدا هذه النقطة كانت للرقيق كلّ حقوق الآدميّين.
ولكن الإسلام لم يكن ليكتفي بهذا المقدار ، لأنّ قاعدته الأساسيّة العظمى هي المساواة الكاملة بين البشر ، وهي التحرير الكامل لكلّ بشر! وكلّ الذي تقدّم كان تمهيدا للبلوغ إلى هذه الغاية ، والتي كان النبيّ صلىاللهعليهوآله يترقّبها ، إمّا في حال حياته أو فيما بعد ، ترقّبا غير بعيد.
قال صلىاللهعليهوآله : «ما زال جبرائيل يوصيني بالمماليك حتّى ظننت أنّه سيجعل لهم وقتا إذا بلغوا ذلك الوقت أعتقوا». (١)
وبالفعل جعل وسيلتين كبيرتين : هما العتق والكتابة إلى التحرّر التامّ. هذا فضلا عن رفض مطلق لأسباب الاسترقاق ـ والتي كانت متفشّية وعن طرق معادية ـ والنهب والأسر والإغارة الغاشمة. كان الإسلام يرفضها رفضا باتّا. وبذلك انسدّ ـ شرعيّا ـ باب الاسترقاق نهائيا منذ ذلك الحين.
ويكفيك نموذجا عن شناعة نظام الاسترقاق في العصر الجاهلي ، حادث استرقاق زيد بن حارثة الذي تبنّاه الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله :
كانت أمّه سعدى بنت ثعلبة من بني معن من طيئ ، أرادت أن تزور قومها فاصطحبت ابنها زيدا وهو لم يبلغ الثمانية من عمره ، فما أن وردت القوم إلّا وأغارت عليهم خيل بني القين ، فنهبوا وسلبوا وأسروا ، ومن جملة الاسارى زيد ، فقدموا به سوق
__________________
(١) أورده الصدوق في الأمالي ، المجلس السادس والستون ، ص ٣٨٤ ؛ وفي كتابه «من لا يحضره الفقيه» ، ج ٤ ، ص ٧.