بمكّة : «أيّها النّاس ، إنّ الله قد أذهب عنكم عبية الجاهليّة (١) وتعاظمها بآبائها. فالناس رجلان : برّ تقيّ ، كريم على الله. وفاجر شقيّ ، هيّن على الله. والناس بنو آدم ، وخلق الله آدم من تراب. قال الله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا. إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ). (٢)
ومعنى ذلك أنّ الناس كلّهم ـ الأسياد والعبيد ـ إخوة من ولد أب واحد وأمّ واحدة. ولا فضل فيمن أصله من تراب إلّا بالأحساب.
جاء في رسالة الحقوق التي بعثها الإمام زين العابدين عليهالسلام إلى بعض أصحابه : «وأمّا حقّ مملوكك فأن تعلم أنّه خلق ربّك وابن أبيك وأمّك ولحمك ودمك ...». (٣)
وفي ذلك فرض الأخوّة ـ الأصيلة ـ بين السيّد وعبده المملوك له. الأمر الذي لم يكن يطيقه منطق البشريّة آنذاك ، لكن الإسلام فرضه فرض حتم.
جاء في مسائل على بن جعفر عن أخيه موسى عليهالسلام : الرجل يقول لمملوكه : يا أخي ويا ابني ، أيصلح ذلك؟ قال عليهالسلام : لا بأس. (٤) أي لا حزازة بعد فرض المساواة في أصل النسب!
وزيادة في رعاية مشاعر الرقيق يقول الرسول الكريم : «لا يقل أحدكم : هذا عبدي وهذه أمتي ، وليقل : فتاي وفتاتي». (٥) وعلى ذلك يستند أبو هريرة فيقول لرجل ركب وخلفه عبده يجري : «احمله خلفك ، فإنّه أخوك وروحه مثل روحك». (٦)
وقد فرض الإسلام على السّادة أن يساووا بين أنفسهم والعبيد من غير أن يتفاضلوا عليهم.
__________________
(١) العبّيّة ، النخوة والكبر والمفاخرة بالأنساب.
(٢) الحجرات ٤٩ : ١٣. راجع : جامع الترمذي ، ج ٥ ، ص ٣٨٩ ، رقم ٣٢٧٠ ؛ ومسند احمد ، ج ٢ ، ص ٣٦١.
(٣) بحار الأنوار ، ج ٧١ ، ص ٥ و ١٤ ـ ١٥ ؛ والخصال للصدوق (ابواب الخمسين وما فوقه ، رقم : ١) ص ٥٦٧ ـ ٥٦٨.
(٤) بحار الأنوار ، ج ١٠ ، ص ٢٨٦ ؛ ومسائل على بن جعفر ، ص ١٨٨ ، برقم ٣٧٩ ؛ ووسائل الشيعة ، الحديث ٧ ، من الباب ٥ ، من أبواب التدبير ، ج ٢٣ ، ص ١٢٤.
(٥) رواه أحمد في مسنده ، ج ٢ ، ص ٤٢٣ وفي غير موضع ، والبخاري ومسلم وغيرهما.
(٦) إحياء علوم الدين ، للغزالي ، ج ٢ ، ص ٢٢٠.