بضع سنوات. والخمر عادة شخصيّة قبل كلّ شيء ، وإن كانت ذات مظاهر اجتماعيّة ، وكان بعض العرب أنفسهم في الجاهليّة يتعنّفون عنها ، ويرون فيها شرّا لا يليق بذوي النفوس العالية. والرّقّ كان أعمق في كيان المجتمع ونفوس الأفراد ، لاشتماله على عوامل شخصيّة واجتماعية واقتصاديّة. ولم يكن أحد يستنكره كما أسلفنا. لذلك كان إبطاله في حاجة إلى زمن أطول ممّا تتّسع له حياة الرسول ، وهي الفترة التي كان ينزل فيها الوحي بالتنظيم والتشريع. فلو كان الله يعلم أنّ إبطال الخمر يكفي فيه إصدار تشريع ينفذ لساعته ، لما حرّمها في بضع سنوات. ولو كان يعلم أنّ إبطال الرّقّ يكفي له مجرّد إصدار «مرسوم» بإلغائه ، لما كان هناك سبب لتأخّر هذا المرسوم!
كان الرقيق في عرف الرومان ـ وهم الأصل في استرقاق الأناسي ـ يعدّ «شيئا» لا «بشرا» (شخصا إنسانيّا)! شيئا لا حقوق له البتّة ـ كالبهائم والأمتعة ـ وإن كان عليه كلّ ثقيل من الواجبات.
ولنعلم أوّلا : من أين كان يأتي هذا الرقيق؟ كان يأتي من طريق الغزو والنهب والأسر ، ولم يكن الغزو لفكرة ولا لمبدإ ، وإنّما كان سببه الوحيد شهوة الاستيلاء والاستثمار واستعباد الآخرين وتسخيرهم لمصلحة المترفين. فلكي يعيش الروماني عيشة البرزخ والترف ، يستمتع بالحمّامات الباردة والساخنة ، والثياب الفاخرة ، وأطائب الطعام من كلّ لون ، ويغرق في المتاع الفاجر من خمر ونساء ورقص وحفلات ومهرجانات ، كان لا بدّ لكلّ هذا من استعباد الشعوب الاخرى وامتصاص دمائها في سبيل هذه الشهوة الفاجرة كان الاستعمار الروماني ، وكان الرّقّ الذي نشأ من ذلك الاستعمار.
أمّا الرقيق فقد كانوا ـ كما ذكرنا ـ أشياء ليس لها كيان البشر ولا حقوق البشر. كانوا يعملون في الحقول وهم مصفّدون في الأغلال الثقيلة التي تكفي لمنعهم من الفرار ، ولم يكونوا يطعمون إلّا إبقاء على وجودهم ليعملوا ، لا لأنّ من حقّهم ـ حتّى كالبهائم والأشجار ـ أن يأخذوا حاجتهم من الغذاء. وكانوا ـ في أثناء العمل ـ يساقون بالسوط ، لغير شيء إلّا اللذّة الفاجرة التي يحسبها السيّد أو وكيله في تعذيب المخلوقات. ثمّ كانوا