تشويه سمعة صاحب الرسالة ليصوّروه رجل شهوة منهمكا في غرامه للنساء انهماك الملوك المترفين. وقد حاكوا أقاصيص حول تزويج النبيّ بعدّة زوجات ـ بعد تجاوزه العقد الخامس من عمره الكريم ، السنّ التي تفتر بعدها رغبة الرجال في النساء ، وجعل يكرّرها ويردّدها أمثال «موير» و «أرفنج» و «سبرنجر» و «فيل» و «درمنجم» و «لامنس» (١) وغيرهم ممّن تناولوا كتابة حياة محمّد صلىاللهعليهوآله لكنّها شهوة التبشير المكشوف تارة ، والتبشير باسم العلم اخرى.
والخصومة القديمة للإسلام خصومة تأصّلت في النفوس منذ الحروب الصليبيّة التي تملى على هؤلاء جميعا ما يكتبون ويسطّرون ، وتجعلهم في أمر زواج النبيّ صلىاللهعليهوآله فيمن تزوّج ، يتجنّون على التاريخ ويحاولون قلب الحقيقة من واقعها الناصع النزيه إلى ظاهرة مشوّهة كريهة.
أمّا الحقيقة فهي تشهد بوضوح أنّ محمدا صلىاللهعليهوآله لم يكن رجلا يأخذ بعقله الهوى ، وهو لم يتزوّج من تزوّج من نسائه بدافع من شهوة فائضة أو غرام عارم. وإذا كان بعض الكتّاب المسلمين في بعض العصور قد أباحوا لأنفسهم أن يقولوا هذا القول وأن يقدّموا لخصوم الإسلام ـ عن حسن نيّة ـ هذه الحجّة فذلك لأنّهم انحدر بهم التقليد إلى المادّية ، فأرادوا أن يصوّروا محمّدا عظيما في كلّ شيء ، عظيما حتّى في شهوات الدنيا. وهذا تصوّر خاطئ ينكره تاريخ حياته الكريمة أشدّ إنكار ، وتأبى مشيته النزيهة ـ التي عاشها في ذلك الجوّ الحالك ـ أن تقرّه وتشهد به.
فهو قد تزوّج من خديجة ـ وهي أكبر منه بسنين ـ وهو في الثالثة والعشرين من عمره ، وهو في شرخ الصبا وريعان الفتوّة ووسامة الطلعة وجمال القسمات وكمال الرجولية. مع ذلك ظلّت خديجة وحدها زوجته ثمانيا وعشرين عاما حتّى تخطّى الخمسين. هذا على حين كان تعدّد الزوجات أمرا شائعا بين العرب ذلك الحين ، وعلى حين كان لمحمّد مندوحة في التزويج على خديجة أن لم يعش له منها ذكر ، في وقت
__________________
(١) راجع : حياة لمحمّد حسين هيكل : ص ٢٩٣.